الكلفة بهم، وإن أقاموا على الخذلان واتفقوا على ترك النصرة لهم والعدول من معونتهم، أظهروا من الرأي خلاف ما سلف وقالوا: قد كانت الحال موجبة للقتال وكان عزمنا على ذلك تاما، فلما رأينا أشياعنا وعامة أتباعنا يكرهون ذلك، أوجبت الضرورة إعفاءهم عما يكرهون والتدبير لهم بما يؤثرون، وهذا أمر قد جرت به عادة الرؤساء في كل زمان ولم يك تنقلهم من رأي إلى رأي مسقطا لأقدارهم عند الأنام.
فلا ينكر أن يكون أبو بكر إنما أظهر التصميم على الحرب لحث القوم على موافقته في ذلك ولم يبدلهم جزعه لئلا يزيد ذلك في فشلهم ويقوى به رأيهم، واعتمد على أنهم إن صاروا إلى أمره، ونفع هذا التدبير في تمام غرضه فقد بلغ المراد، وإن لم ينجع ذلك عدل عن الرأي الأول كما وصفناه من حال الرؤساء في تدبيراتهم.
على أن أبا بكر لم يقسم بالله في قتال أهل الردة بنفسه، وإنما أقسم في قتالهم بأنصاره الذين اتبعوه على رأيه، وليس في يمينه بالله لينفذن خالدا وأصحابه ليصلوا بالحرب، دليل على شجاعته في نفسه.
وشئ آخر وهو أن أبا بكر قال هذا القول عند غضبه لمباينة القوم له ولا خلاف بين ذوي العقول أن الغضبان قد يعتريه عند غضبه من هيجان الطباع ما يفسد عليه رأيه حتى يقدم من القول على ما لا يفي به عند سكون نفسه ويعمل من الأعمال ما يندم عليه عند زوال الغضب عنه ولا يكون في وقوع ذلك منه دليل على فساد عقله ووجوب إخراجه عن جملة أهل التدبير وقد صرح الرجل بذلك في خطبته المشهورة عنه التي لا يختلف فيها اثنان، وأصحابه خاصة يقولون بها ويجعلونها من مفاخره حيث يقول: " إن رسول الله خرج من الدنيا وليس أحد من الأمة يطالبه بضربة سوط فما فوق، وكان عليه وآله