فقال له الشيخ: لست أنشط الساعة للفتيا بتخطئة أحد وإنما أجبتك عن شئ سألت عنه، فإن كان صوابا وضمن تخطئة إنسان فلا تستوحش من اتباع الصواب، وإن كان باطلا فتكلم على إبطاله فهو أولى من التشنيع بما لا يجدي نفعا.
مع أنه إن استعظمت تخطئة من ذكرت فلا بد لك من تخطئة علي والعباس من قبل أنهما قد تأخرا عن بيعة أبي بكر ولم يرضيا بتقدمه عليهما، ولا عملا له ولا لصاحبه عملا، ولا تقلدا لهما ولاية ولا رآهما أبو بكر وعمر أهلا أن يشركاهما في شئ من أمورهما، وخاصة ما صنعه عمر بن الخطاب فإنه ذكر من يصلح للإمامة في الشورى ومن يصلح للنظر في الاختيار فلم يذكر العباس في إحدى الطائفتين ولما ذكر عليا - عليه السلام - عابه ووصفه بالدعابة تارة وبالحرص على الدنيا أخرى، وأمر بقتله إن خالف عبد الرحمان بن عوف وجعل الحق في حيز عبد الرحمان دونه وفضله عليه.
هذا وقد أخذ منه ومن العباس ومن جميع بني هاشم الخمس الذي جعله الله تعالى لهم وأرغمهم فيه وحال بينهم وبينه وجعله في السلاح والكراع، فإن كنت أيها الشيخ أيدك الله تنشط للطعن على علي والعباس بخلافهما للشيخين وكراهتهما لإمارتهما وتأخرهما عن بيعتهما، وترى من العقد فيهما ما - سنه الشيخان من أمرهما من التأخير لهما عن شريف المنازل والغض منهما والحط من أقدارهما، فصر إلى ذلك فإنه الضلال بغير شبهة، وإن كنت ترى ولايتهما والتعظيم لهما والاقتداء بهما، فاسلك سبيلهما ولا تستوحش من تخطئة من خالفهما، وليس هاهنا منزلة ثالثة.
فقال العباسي عند سماع هذا الكلام: اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون.