زعمتم أيها القايسون أن الحكم بتحريم التفاضل في الأرز مقيس عليه وأنه الفرع له، وقد علمنا أن في العقل يجوز أن يتعبد القديم سبحانه وتعالى بإباحة التفاضل في البر وهو على جميع صفاته بدلا من تعبده بحظره فيه، فلو كان الحكم بالحظر لعلة في البر أو صفة هو عليها لاستحال ارتفاع الحظر إلا بعد ارتفاع العلة أو الوصف، وفي تقديرنا وجوده على جميع الصفات والمعاني التي يكون عليها مع الحظر عند الإباحة وهذا دليل على بطلان القياس فيه.
ألا ترى أنه لما كان وصف المتحرك إنما لزمه لوجود الحركة، أو لقطعه المكانين، استحال توهم حصول السكون له في الحقيقة مع وجود الحركة أو قطعه المكانين، وهذا بين لمن تدبره. فلم يأت القوم بشئ يجب حكايته.
(حكاية مجلس آخر في هذا الاستدلال) قال الشيخ أدام الله عزه. ثم جرى هذا الاستدلال في مجلس آخر فاعترض بعض المعتزلة فقال: ما أنكرت على من قال لك إن هذا الدليل إنما هو على من زعم أن للشرعيات عللا موجبة كعلل العقليات. وليس في الفقهاء من يذهب إلى ذلك، وإنما يذهبون إلى أنها سمات وعلامات غير موجبة لكنها دالة على الحكم، ومنبئة عنه، وإذا كانت سمات وعلامات لم يمتنع من تقدير خلاف الحكم على الحادثة مع كونها على صفاتها، وذلك مسقط لما اعتمدت عليه.
قال الشيخ أيده الله: فقلت له. ليس مناقضة الفقهاء الذين أو مات إليهم حجة علي فيما اعتمدته، وقد ثبت أن حقيقة القياس هو حمل الشئ على نظيره في الحكم بالعلة الموجبة له في صاحبه، فإذا وضع هؤلاء القوم هذه السمة على غير الحقيقة فأخطأوا لم يخل خطأهم بموضع الاعتماد، مع أن الذي قدمته يفسد هذا