فقال له الشيخ أيده الله: ما أنكرت على من قال لك إنك لم تلجأ إلى معتمد عليه في هذا الباب وذلك أن الشجاعة لا تعرف بالحس لصاحبها فقط ولا بإدعائها، وإنما هي شئ في الطبع يمده الاكتساب، والطريق إليها أحد أمرين:
إما الخبر عنها من جهة علام الغيوب المطلع على الضمائر فيعلم خلقه حال الشجاع وإن لم يبد منه فعل يستدل به عليها، والوجه الآخر أن يظهر منه أفعال يعلم بها حاله كمبارزة الأقران ومقاومة الشجعان ومنازلة الأبطال والصبر عند اللقاء وترك الفرار عند تحقق القتال، ولا يعلم ذلك أيضا بأول وهلة ولا بواحدة من الفعل حتى يتكرر ذلك على حد يتميز به صاحبه ممن حصل له ذلك اتفاقا أو على سبيل الهوج والجهل بالتدبير.
وإذا كان الخبر من الله سبحانه وتعالى بشجاعة أبي بكر معدوما، وكان هذا الفعل الدال على الشجاعة غير موجود للرجل فكيف يجوز لعاقل أن يدعي له الشجاعة بقول قاله هو ليس من دلالتها في شئ عند أحد من أهل النظر والتحصيل لا سيما ودلائل جبنه وهلعه وخوفه وضعفه أظهر من أن يحتاج فيها إلى التأمل.
وذلك أنه لم يبارز قط قرنا ولا قاوم بطلا ولا سفك بيده دما، وقد شهد مع رسول الله (ص) مشاهده فكان لكل واحد من الصحابة أثر في الجهاد إلا له، وفر في يوم أحد، وانهزم في يوم خيبر، وولى الدبر يوم التقى الجمعان، وأسلم رسول الله (ص) في هذه المواطن مع ما كتب الله تعالى عليه الجهاد، فكيف تجتمع دلائل الجبن ودلائل الشجاعة لرجل واحد في وقت واحد لولا أن العصبية تميل بالعبد إلى الهوى.
وقال له رجل من طياب الشيعة وكان حاضرا: عافاك الله أي دليل هذا