ذلك إلى الاجتهاد، لأنه إن استعمله مبتدئا فيه فضرورته إليه ظاهرة وإن استعمل النص والاحتجاج بالاجماع فإنا نصححها بالاجتهاد فهو مضطر في أصل ما اعتمد عليه إلى الاجتهاد. وهذا نظير ما قلت يا أبا القاسم لمخالفيك في الاجتهاد في الفروع عندك، مع أنها أصول عندهم لا مجال للاجتهاد فيها ولا فصل في ذلك.
على أنه يقال له: ما أبين غفلتك! أنت تزعم أن الاجتهاد في الأحكام له حد يمنع من الحكم على الذاهب عنه بالضلال، ومبطلوا الاجتهاد إنما أبطلوه بضرب من النظر والاستدلال حكموا على الذاهب عنه بالضلال، فمن أين صار ما أبطله القوم من الاجتهاد هو الذي به صححوه، وما صححوه هو الذي شهدوا بفساده لولا سهوك عن الحق.
واعلم رحمك الله أن الذي يذهب إليه هذا الرجل ومن شاركه في خلافنا في الحكم بالنص ليس هو اجتهاد في الحقيقة، بل هو حدس وترجيم وظن فاسد لا ينتج يقينا ولا يولد علما ولو اعترفنا لهم بأنهم مجتهدون لما لمناهم على فعلهم لكنا نعتقد فيهم أنهم مقصرون مفرطون تائهون ضالون، ومن أطلق لفظه بالرد على أهل الاجتهاد في الأحكام فإنما أطلقه مجازا لأن القوم قد شهروا أنفسهم بهذه الصفة حتى صارت كالعلم لهم، وإن كانوا بالضد منها فجرت لهم مجرى سمة المهلكة بالمفازة واللديغ بالسليم وعين الشمس بالجونة وما أشبه ذلك، فتأمله ترشد إن شاء الله.
قال الشيخ أدام الله عزه: وقد تعلق قوم من ضعفة متفقهة العامة ومن جهال المعتزلة في صحة الاجتهاد والقياس بقول أمير المؤمنين - عليه السلام - " علمني رسول الله (ص) ألف باب فتح لي كل باب ألف باب ".
فيقال لهم: وهل أصول الشريعة كلها ألف أصل وفروعها ألف ألف وذلك نهايتها وهي محصورة بهذا العدد لا أقل منه ولا أكثر؟ فإن زعموا ذلك قالوا قولا مرغوبا عنه