ومنها أنهم أجمعوا على أن عليا - عليه السلام - كان بعد النبي (ص) ظاهر العدالة واجبة له الولاية، ثم اختلفوا فقال قوم: إنه كان مع ذلك معصوما من الكبائر والضلال، وقال آخرون: لم يك معصوما ولكن كان عدلا برا تقيا على الظاهر لا يشوب ظاهره الشوائب فحصل الاجماع على عدالته، واختلفوا في نفي العصمة عنه، ثم أجمعوا كلهم جميعا على أن أبا بكر لم يك معصوما واختلفوا في عدالته، فقالت طائفة: كان عدلا وقالت أخرى: لم يكن عدلا لأنه أخذ ما ليس له، فمن أجمعوا على عدالته واختلفوا في عصمته أولى بالإمامة ممن اختلفوا في عدالته وأجمعوا على نفي العصمة عنه.
فصل ومن حكايات الشيخ أدام الله عزه، وكلامه. حضر الشيخ مجلس أبي منصور ابن المرزبان وكان بالحضرة جماعة من متكلمي المعتزلة فجرى كلام وخوض في شجاعة الإمام، وهل ذلك شرط يجب في الإمامة أم لا يجب؟ ومضى فيه طرف على سبيل المذاكرة، فقال أبو بكر بن صرايا: عندي أن أبا بكر الصديق كان من شجعان العرب ومتقدميهم في الشجاعة.
فقال له الشيخ أدام الله عزه: من أين حصل ذلك عندك وبأي وجه عرفته؟
فقال: الدليل على ذلك أنه رأى قتال أهل الردة وحده في نفر معه وخالفه على رأيه في ذلك جمهور الصحابة وتقاعدوا عن نصرته، فقال: أما والله لو منعوني عقالا لقاتلتهم، ولم يستوحش من اعتزال القوم له ولا ضعف ذلك نفسه ولا منعه من التصميم على حربهم، فلولا أنه كان من الشجاعة على حد يقصر الشجعان عنه لما أظهر هذا القول عند خذلان القوم له.