وقد علم العقلاء بالعادة الجارية أن الذي يقدم إنسانا في مقام يشرف به قدره ويعظم به منزلته لا يبادر بعد تقديمه بغير فصل إلى صرفه وحط تلك الرتبة التي كان جعلها له إلا لحادث يحدثه أو اعتراض أمر ظاهر يرفع الشبهة بظهوره من (غير ن خ) تغير حاله الموجبة لصرفه، وإن الفعل الذي وقع من النبي (ص) في باب أبي بكر مع القول الذي اقترن إليه من التوبيخ لزوجته لا يكون من الحكماء إلا للنكير المحض، والدلالة على استدراك ما كان يفوت من الصلاح بالفعل لو لم يقع فيه ذلك البدار ومن أنكر ما وصفناه خرج من العرف والعادات.
وقد زعم قوم من أهل العناد أن النبي (ص) لم يعزل أبا بكر عن الصلاة بخروجه إلى المسجد وأنه كان مع ذلك على إمامته في الصلاة، قلنا لهم فكان أبو بكر إماما للنبي (ص) وكان الرسول مؤتما به في الحال؟ فقالوا بأجمعهم: لا. قلنا لهم:
أفكان شريكا للنبي (ص) في إمامة الصلاة حتى كانا جميعا إمامين للمسلمين في تلك الصلاة؟ فقالوا أيضا: لا. قلنا لهم: أفليس لما خرج النبي (ص) كان هو إمام المسلمين في تلك الصلاة وصار أبو بكر بعد أن كان إمامهم فيها مؤتما كأحد الجماعة بالنبي (ص)؟ قالوا: بلى، قلنا لهم: من لا يعقل أن هذا صرف له من المقام فليس يعقل شيئا على الوجوه والأسباب، وهذه الطائفة رحمك الله جهال جدا وأوباش غمار، ولعل معاندا منهم لا يبالي بما قال، يرتكب القول بأن أبا بكر كان باقيا على إمامته في الصلاة بعد خروج النبي (ص).
فيقال له: هذا خروج من الاجماع، ومع أنه خروج من الاجماع فما معنى ما جاء به التواتر وحصل عليه الإطباق من أن رسول الله (ص) صلى بالناس ثم الاختلاف في ابتدائه من حيث ابتدأ أبو بكر من القرآن أو من حيث انتهى من القرآن، ومع ذلك فإذا كان أبو بكر هو الإمام للنبي (ص) في آخر صلاة صلاها