فصل من كلام الشيخ أيده الله، قال الشيخ: قد أجمعت الأمة على أن أبا بكر قال بعد العقد له: " أقيلوني أقيلوني " فاستقالهم الولاية والإمرة عليهم وفهمنا ذلك وعرفناه وقد أجمعت الأمة على أن الناس دعوا عثمان إلى الخلع فأبى فحصروه لذلك وتوعدوه بالقتل إن لم يخلع نفسه ليختاروا لأنفسهم من يرضوه فأبى إلا دفاعهم عن ذلك واحتج عليهم فيه بأن الله سبحانه قمصه الأمر فلا يحل له خلعه، وقال لهم: " لا أخلع قميصا قمصنيه الله عز وجل " فنظرنا في هذين الفعلين فوجدناهما مختلفين متضادين يوجب أحدهما إن كان صوابا خطأ فاعل ضده وإن كان خطأ صواب فاعل خلافه.
وذلك أنه إن كان حل لأبي بكر أن يخلع نفسه من الإمامة مختارا ويدعو الناس إلى خلعه فقد حرم الله سبحانه على عثمان أن يمتنع من ذلك إذا أريد عليه ودعي إليه وأخيف وهدد بالقتل إن امتنع عليهم من ذلك فلما رأينا عثمان اختار القتل على الإجابة إلى الخلع، علمنا أنه لم يختر ذلك إن كان متدينا به إلا أن الخلع أعظم من إظهار كلمة الشرك وصنع ضروب الفسق وأكل الميتة والدم ولحم الخنزير لأن هذه كلها تحل عند الخوف على النفس وعثمان لم يستحل الخلع عند الخوف على نفسه فكان على مذهبه من أعظم الكبائر وأكبر ضروب الكفر، وإذا كان أبو بكر قد استحله ودعا إليه بان أنه أتى كفرا على مذهب عثمان وأعظم من الكفر أو يكون استحلاله ذلك يدل على أن استسلام عثمان للقتل بدلا من الخلع، أعظم ما يكون من الكفر لأن من امتنع من مباح بقتل نفسه كان مارقا عن الدين