بل كل واحد من المنع والإعطاء اختبار وامتحان ولكن الفقر خير من الغنى مع الصبر على مشاقة لما فيه من قطع التعلق بغيره تعالى. وفيه رد على من زعم من الجهلة من أن الفقراء لو كانوا من خواص الله وأوليائه وأهل كرامته لم يبتلهم بالشدائد والمكاره، وهل يرى أحد يبتلي محبه كما قال فرعون لموسى (عليه السلام) (فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب) وقال كفرة قريش (أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنة يأكل منها) قالوا ذلك لجهلهم بمصالح الفتنة والاختبار ومواضع الغنى والإقتار، وللفقراء أن يقولوا: لو كان الأغنياء من خواص الله وأوليائه لم يمنحهم بالمال الذي يذكر الدنيا ويقسو القلب وينسى الآخرة فالمال بلية عظيمة لا أنه خيرات عجل الله تعالى لهم، كيف وقد قال الله تعالى (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون) ثم أشار إلى أنه تعالى يشرف الفقراء بشرف درجة الشفاعة لمن أحسن إليهم من الأغنياء والناس في الحساب بقوله: (فمن زود منكم في دار الدنيا معروفا) أي أعطاه (فخذوا بيده فأدخلوه الجنة) فيأخذون بيد من أطعمهم بطعام وسقاهم بماء وألبسهم بلباس وأعانهم في حاجة ويدخلون الجنة والناس في الحساب فعلم أن احتياج الأغنياء إلى الفقراء أشد من العكس.
10 - عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن إبراهيم بن عقبة، عن إسماعيل بن سهل وإسماعيل بن عباد، جميعا يرفعانه إلى أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ما كان من ولد آدم مؤمن إلا فقيرا ولا كافر إلا غنيا حتى جاء إبراهيم (عليه السلام) فقال: (ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا) فصير الله في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة.
* الشرح:
قوله (فصير الله في هؤلاء أموالا وحاجة وفي هؤلاء أموالا وحاجة) فصار الناس أربعة أصناف موسع عليه في الدنيا والآخرة وهو المؤمن الصالح الغني الشاكر. ومقتور عليه فيهما وهو الكافر الفقير، وموسع عليه في الدنيا فقط وهو الكافر الغني، وموسع عليه في الآخرة فقط وهو المؤمن الفقير الصابر.
11 - عدة من أصحابنا، عن أحمد بن محمد بن خالد، عن عثمان بن عيسى، عمن ذكره، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: جاء رجل موسر إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) نقي الثوب فجلس إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فجاء رجل معسر درن الثوب فجلس إلى جنب الموسر، فقبض الموسر ثيابه من تحت فخذيه، فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): أخفت أن يمسك من فقره شيء؟ قال: لا، قال: فخفت أن يصيبه من غناك شيء؟ قال: لا، قال: فخفت أن يوسخ ثيابك؟ قال: لا، قال: فما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله إن لي قرينا يزين لي كل قبيح ويقبح لي كل حسن. وقد جعلت له نصف مالي، فقال