* الشرح:
قوله (ليس لمصاص شيعتنا في دولة الباطل إلا القوت) المصاص خالص كل شيء يقال فلان مصاص قومه أي خالصهم نسبا يستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمذكر والمؤنث، والقوت ما يؤكل ليمسك الرمق، قاله ابن الفارس والأزهري، وقيل: هو البلغة يعني قدر ما يبلغ به من العيش ويسمى ذلك أيضا كفافا لأنه قدر يكفه عن الناس ويغنيه عن سؤالهم وهذا القدر يدفع الفاقة ويوجب الراحة كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) «ولا مال أذهب للفاقة من الرضا بالقوت» والوجه فيه أن من رضي بالقوت وتوكل على الحي الذي لا يموت لم يفتقر إلى غيره لأجل المسكنة. وقال أيضا:
«من اقتصر على بلغة الكفاف فقد انتظم الراحة وتبوأ خفض الدعة، والرغبة في الزائد مفتاح النصب ومطية التعب».
ثم بالغ في أن نصيبهم القوت بقوله (شرقوا إن شئتم أو غربوا لن ترزقوا إلا القوت) وهو كناية عن الجد في الطلب والسير في أطراف الأرض فإنه تعالى يمنع خلصهم عن الزائد من القوت لطفا بهم وحفظا لهم عن مفاسد الزائد، وينبغي للعاقل الطالب للحق أن يترك طلب الزيادة ويتصور أن كل أحد انما يأكل قوته ويكفيه ذلك في البقاء والتعيش وأن الزيادة وبال عليه.
8 - محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسن الأشعري، عن بعض مشايخه، عن إدريس بن عبد الله، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قال النبي (صلى الله عليه وآله): يا علي الحاجة أمانة الله عند خلقه، فمن كتمها على نفسه أعطاه الله ثواب من صلى، ومن كشفها إلى من يقدر أن يفرج عنه ولم يفعل فقد قتله، أما إنه لم يقتله بسيف ولا سنان ولا سهم ولكن قتله بما نكأ من قلبه.
9 - عنه، عن أحمد، عن علي بن الحكم، عن سعدان قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله عز وجل يلتفت يوم القيامة إلى فقراء المؤمنين، شبيها بالمعتذر إليهم، فيقول وعزتي وجلالي ما أفقرتكم في الدنيا من هوان بكم علي ولترون ما أصنع بكم اليوم فمن زود منكم في دار الدنيا معروفا فخذوا بيده فأدخلوه الجنة قال: فيقول رجل منهم: يا رب إن أهل الدنيا تنافسوا في دنياهم فنكحوا النساء ولبسوا الثياب اللينة وأكلوا الطعام وسكنوا الدور وركبوا المشهور من الدواب فأعطني مثل ما أعطيتهم. فيقول تبارك وتعالى: لك ولكل عبد منكم مثل ما أعطيت أهل الدنيا منذ كانت الدنيا إلى أن انقضت الدنيا سبعون ضعفا.
* الشرح:
قوله (ما أفقرتكم في الدنيا من هوان بكم) ويعلم بحكم المقابلة أنه تعالى ما أغنى أحدا للتعظيم والتكريم به، وبالجملة إعطاء المال وغيره ليس تكريما وتعظيما ومنعه ليس إهانة وتحقيرا