حتى كأني انظر إليهم، فتثاقل عن جوابه ثم قال (عليه السلام) يا همام اتق الله وأحسن فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم يحسنون. فلم يقنع همام بذلك القول حتى عزم عليه، وقال بعض الأعلام تثاقله (عليه السلام) عن جوابه لما رأى من استعداد نفسه لأثر الموعظة وخوفه عليه أن يخرج به خوف الله إلى انزعاج نفسه وصعقها، وأمره بتقوى الله أي في نفسه أن يصيبها فادح بسبب سؤاله، وأمره بالإحسان إليها بترك تكليفها فوق طاقتها، ولذلك قال (عليه السلام) حين صعق همام «أما والله لقد كنت أخافها عليه».
(فقال: يا همام المؤمن هو الكيس الفطن) تعريف الخبر باللام وتوسيط الضمير لقصد الحصر والتأكيد، والكيس وزان فلس جودة القريحة. قال ابن الأنباري: العقل، ويقال أنه مخفف كيس مثل هين وهين والأول أصح لأنه مصدر من كأس كيسا من باب باع، وأما المثقل وهو المراد هنا فاسم فاعل والجمع أكياس مثل جيد وأجياد، والفطنة ذكاء النفس، ورجل فطن بأحواله وأمور الدين عالم بوجوههما حاذق وانما قدمهما لأنهما مبدآن للمحاربة مع النفس الأمارة وآلتان للغلبة عليها (بشره في وجهه وحزنه في قلبه) إذ لا يطمئن من اضطرابه لما فات ووقوع التقصير فيه ولا يسكن من روعته لما هو آت وتوقع التقصير فيه حتى يرفع الحجاب ويدخل الجنة لأن الإنسان وإن بلغ حد الكمال لا يأمن من النقص والوقوع في الخسران، وأما بشره وهو بالكسر: طلاقه الوجه والبشاشة وإظهار السرور فلأنه من حسن العشرة وكمال الرأفة بالإخوان المؤمنين بخلاف العبوس فإنه من علامات الغلظة والتجبر وأمارات أهل النار.
(أوسع شيء صدرا وأذل شيء نفسا) سعة الصدر وانفراجه عبارة عن انكشافه لقبول ما في السماوات والأرضين وعالم الملك والملكوت من الأسرار اللاهوتية والآثار الربوبية وتجليات أنوار الحق. وذل النفس إشارة إلى الأخذ بزمامها والمنع عن مرامها كيلا تتجاوز عن الحدود الشرعية والآداب العرفية الموافقة للقوانين النبوية أو إلى مذلتها وهونها عنده، فالأذل على الأول من الذل بالكسر بمعنى السهولة والانقياد. يقال ذلت الدابة ذلا بالكسر أي سهلت وانقادت فهي ذلول.
وعلى الثاني من الذل بالضم بمعنى الهون والضعف يقال: ذل ذلا بالضم ومذلة إذا ضعف وهان.
(زاجر عن كل فان حاض على كل حسن) أي زاجر نفسه أو غيره أو الأعم وكذا حاض، والحض: الحث والتحريض، وذلك لعلمه بأن نفع الأول زائل لا يبقى ونفع الثاني باق لا يفنى وفيه إعلام بصرف همته إلى مولاه وإعراضه بالكلية عما سواه طلبا لرضاه.
(لا حقود ولا حسود ولا وثاب ولا سباب ولا عياب ولا مغتاب) الحقد: إمساك العداوة، والبغض في القلب والتربص لفرصتها. والحقود الكثير الحقد و «لا» للمبالغة في النفي لا لنفي المبالغة كما قيل في قوله تعالى (وما أنا بظلام للعبيد) ونحوه وقد صرح به التفتازاني في شرح