ونرم». والخليقة الطبيعة كالعريكة. يقال لانت عريكته إذا انكسرت نخوته وتكبره عند معاملات الناس وهو من أجزاء التواضع. والرصين بالصاد المهملة: المحكم الثابت، والحفي بحاجة صاحبه وفعله مثل كرم، يقال: رصنه وأرصنه أي أكمله وأحكمه، وفي الأول إشارة إلى سهولة طبيعته في قبول الحق والإقبال إليه، وفي الثاني إلى لين عريكته وعدم نخوته مع الخلق، وفي الثالث إلى الثابت على العهد والوفاء به، وفي الرابع إلى عدم وصول أذاه وضرره إلى الخلق.
(لا متأفك ولا متهتك) التأفك والتهتك للمطاوعة تقول أفكه - من باب ضرب وعلم - فائتفك وتأفك أي لا يبالي ما نسب إليه من الإفك وهو الكذب وهتك الستر وغيره من باب ضرب خرقه أو جذبه حتى نزعه من مكانه أو شقه حتى يظهر ما وراه فانتهك وتهتك. ورجل منهتك ومتهتك لا يبالي أن يهتك ستره. وذلك من خفة العقل وسفاهة الرأي كما هو شأن الأجلاف والسقاط الذين لا يبالون بنسبة القبائح إليهم ولا بفعلهم لها.
(إن ضحك لم يخرق وإن غضب لم ينزق) الخرق بالفتح والسكون: الشق. وفعله من باب نصر وضرب، وبالضم والسكون وبالتحريك: الحمق، وفعله من باب علم وكرم، والنزق الخفة والطيش عند الغضب، وفعله من باب علم وضرب، يعني: إن ضحك لم يشق فاه ولم يفتحه كثيرا حتى يبلغ القهقهة كما هو شأن الكرماء، أو لم يحمق ولم يضحك كضحك الأحمق الأخرق، وإن غضب على أحد لم يخرجه الغضب إلى حد الخفة والطيش كما هو حال الجهلاء.
(ضحكه تبسم واستفهامه تعلم ومراجعته تفهم) يعني ضحكه تبسم غير مشتمل على الصوت لشرف ذاته وغلبة ذكر الموت وما بعده على قلبه، كما نقل من صفاته (صلى الله عليه وآله) أنه كان أكثر ضحكه التبسم، وقد يفتر أحيانا ولم يكن من أهل القهقهة، واستفهامه عن الشيء تعلم له لا تعنت، ومراجعته إلى الشيء ومذاكرته فيه تفهم له ولآثاره ولوازمه، والفهم ملكة سرعة الانتقال من الملزومات إلى اللوازم من غير مكث.
(كثير علمه عظيم حلمه كثير الرحمة) الأول إشارة إلى صرف همته بالكلية في تحصيل كمالاته العقلية والنقلية من المعارف اليقينية والشرائع النبوية وإحياء العقل النظري بها، والثاني إشارة إلى كمال مبالغته في تعديل قوته الغضبية التي من شأنها الأخذ والبطش والطغيان والترفع والتسلط والغلبة على الأقران حتى حصلت له بذلك ملكة الحلم المقتضية للصفح والستر والعفو والأناة والحنان والاستكانة، والثالث إشارة إلى بعض لوازم الأول وملزوم الثاني فإن العلم بقباحة الطغيان وشناعة العدوان وسوء عاقبتهما يستلزم الرحمة بعباد الله أي الشفقة والرأفة بهم، ورقة القلب والتعطف عليهم وهو يستلزم الحلم والصفح عن زلاتهم.