عليه بذلك، فحيث برهن على أن الأصيل الغائب محكوم عليه بذلك ثبت شرط الكفالة فصار الكفيل خصما فيثبت عليه المال قصدا أو على الغائب ضمنا، بخلاف ما في المتن فإن المدعي برهن على أن له على الأصيل كذا لا على أنه كان حكم له على الأصيل بكذا، فلو قبلت هذه البينة يكون قضاء على الغائب قصدا لان الكفيل لم يصر خصما لأنه لم يثبت شرط كفالته، فالفرق بين المسألتين جلي واضح وإن خفي على صاحب النهر وغيره.
والعجب من قول البحر إن جزمهم هنا بعدم القبول ينبغي أن يكون على الرواية الضعيفة، أما على أظهر الروايتين المفتى به من نفاذ القضاء على الغائب فينبغي النفاذ ا ه. فإن المفتى به نفاذ القضاء على الغائب من حكم يراه كشافعي، حتى لو رفع حكمه إلى الحنفي نفذه كما حرره صاحب البحر نفسه في كتاب القضاء، وكلامهم هنا في الحاكم الحنفي، فإن حكمه لا ينفذ لما علمته من عدم الخصم. قوله: (وإن برهن الخ) هذه مسألة مبتدأة غير داخلة تحت قوله: كفل بما ذاب الخ كما نبه عليه صدر الشريعة وابن الكمال وغيرهما، لان الكفالة هنا بمال مطلق كما يأتي. قوله: (وهو كفيل) أي بذلك المال. قوله: (فللكفيل الرجوع) أي فإذا قضى عليهما: أي على الكفيل الحاضر وعلى الأصيل الغائب ثبت للكفيل بالامر الرجوع على الغائب بلا إعادة بينة عليه إذا حضر لأنه صار مقضيا عليه ضمنا. قوله: (لان المكفول به هنا) أي في قوله، وإن برهن الخ مال مطلق: أي غير مقيد بكونه ثابتا بعد الكفالة، بخلاف ما تقدم في قوله: كفل بما ذاب الخ لان الكفالة فيه بمال موصوف بكونه مقضيا به بعد الكفالة، فما لم تثبت تلك الصفة لا يكون كفيلا فلا يكون خصما كما في شرح الجامع لقاضيخان، وهذا تعليل الأصل القضاء على الكفيل. وأما كون القضاء يتعدى إلى الأصيل لو الكفالة بأمره ولا يتعدى لو بدون أمره فوجهه كما في النهر أن الكفالة بلا أمر إنما تفيد قيام الدين في زعم الكفيل فلا يتعدى زعمه إلى غيره، أما بالامر الثابت فيتضمن إقرار المطلوب بالمال، إذ لا يأمر غيره بقضاء ما عليه إلا وهو معترف به فلذا صار مقضيا عليه.
ثم قال في النهر: وفي الجامع الكبير جعل المسألة مربعة إذ الكفالة: إما مطلقة ككفلت بما لك على فلان، أو مقيدة بألف درهم وكل إما بالامر أو بدونه، وقد علمت أن المقيدة إذا كانت بالامر كان القضاء بها عليهما وإلا فعلى الكفيل فقط. وأما المطلقة فإن القضاء بها عليهما سواء كانت بالامر أو لا، لان الطالب لا يتوصل لاثبات حقه على الكفيل إلا بعد إثباته على الأصيل، وهذا لان المذهب أن القضاء على الغائب لا يجوز ا ه. وتمامه في الفتح. قوله: (وهذه حيلة الخ) ذكر في البحر الأوجه الأربعة المذكورة آنفا عن الجامع، ثم ذكر أن المطلقة هي الحيلة في القضاء على الغائب، وأن المقيدة لا تصلح للحيلة لان شرط التعدي على الغائب كونها بأمره ا ه.
قلت: وطريق جعلها حيلة هو المواضعة الآتية بشرط أن يكون له بينة على الدين الذي له على الغائب، وهذا ظاهر في المطلقة عن التقييد بمقدار من المال، سواء كانت الكفالة بالامر أو لا، فيتعدى فيها الحكم إلى الغائب لان الكفيل إذا أقر بالكفالة وأنكر الدين على الأصيل فبرهن المدعي على الدين