من الكفالة بالنفس على وجوه في وجه تصح البراءة ويبطل الشرط كما إذا أبرأ الطالب الكفيل على أن يعطيه الكفيل عشرة دراهم، وفيه وجه يصحان كما إذا كان كفيلا بالمال أيضا وشرط الطالب عليه أن يدفع المال ويبرئه من الكفالة بالنفس، وفي وجه ببطلان كما إذا شرط الطالب على الكفيل بالنفس أن يدفع إليه المال ويرجع به على المطلوب ا ه. قوله: (لا يسترد أصيل الخ) أي إذا دفع الأصيل وهو المديون إلى الكفيل المال المكفول به ليس للأصيل أن يسترده من الكفيل وإن لم يعطه الكفيل إلى الطالب.
قال في النهر لأنه أي الكفيل ملكه بالاقتضاء، وبه ظهر أن الكفالة توجب دينا للطالب على الكفيل ودينا للكفيل على الأصيل، لكن دين الطالب حال ودين الكفيل مؤجل إلى وقت الأداء، ولذا لو أخذ الكفيل من الأصيل رهنا أو أبرأه أو وهب منه الدين صح فلا يرجع بأدائه، كذا في النهاية، ولا ينافيه ما مر من أن الراجح أن الكفالة ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة، لان الضم إنما هو بالنسبة إلى الطالب، وهذا لا ينافي أن يكون للكفيل دين على المكفول عنه كما لا يخفى، وعلى هذا فالكفالة بالامر توجب ثبوت دينين وثلاث مطالبات تعرف بالتدبر ا ه ما في النهر: أي دين ومطالبة حالين للطالب على الأصيل، ودين ومطالبة مؤخرين للكفيل على الأصيل أيضا، ومطالبة فقط للطالب على الكفيل بناء على الراجح من أنها الضم في المطالبة.
تنبيه: نقل محشي مسكين عن الحموي عن المفتاح أن عدم الاسترداد مقيد بما إذا لم يؤخره الطالب عن الأصيل أو الكفيل، فإن أخره له أن يسترده ا ه.
قلت: لكن قوله: أو الكفيل لم يظهر لي وجهه. تأمل. قوله: (بأمره) متعلق بالكفيل احترازا عن الكفيل بلا أمر كما سيأتي. قال في النهر: قيد به في الهداية ولا بد منه. قوله: (ليدفع للطالب) متعلق بأدى.
واعلم أن ما مر من أن الكفيل ملك المؤدى فذلك فيما إذا دفعه إليه الأصيل على وجه القضاء، بأن قال له إني لا آمن أن يأخذ منك الطالب حقه فأنا أقضيك المال قبل أن تؤديه، بخلاف ما إذا كان الدفع على وجه الرسالة بأن المطلوب للكفيل خذ هذا المال وادفعه إلى الطالب حيث لا يصير المؤدى ملكا للكفيل بل هو أمانة في يده، لكن لا يكون للمطلوب أن يسترده من الكفيل لأنه تعلق به حق الطالب، كذا في الكافي لكن ذكر في الكبرى أن له الاسترداد وأنه أشار إليه في الأصل، كذا في الكفالة شرح الهداية، وما نقله عن الكافي نقل ط مثل عن العناية والمعراج وعليه مشى في البحر والنهر. والمراد بالكافي كافي النسفي، أما كافي الحاكم الشهيد الذي جمع كتب ظاهر الرواية فإنه أشار فيه أيضا إلى أن له الاسترداد لو دفعه على وجه الرسالة فإنه ذكر أنه لو قبضه على وجه القضاء فله التصرف فيه وله ربحه لأنه له، ولو هلك منه ضمنه، ولو قبضه على وجه الرسالة فهلك كان مؤتمنا ويرجع به على الأصيل، ولو لم يهلك فعمل به وربح تصدق بالربح لأنه غاصب، وكذا في الهداية إشارة إليه حيث ذكر أولا أنه إذا قضاه لا يسترد. ثم قال: بخلاف ما إذا كان الدفع على وجه الرسالة لأنه تمحض أمانة في يده، فدل كلامه على أن عدم الاسترداد في الأداء على وجه القضاء لا الرسالة حيث جعله في الرسالة محض أمانة والأمانة مستردة. ونقل ط عن غاية البيان أن له الاسترداد. قال:
ومثله في صدر الشريعة. قال في اليعقوبية: إنه الظاهر لأنه أمانة محضة ويد الرسول يد المرسل فكأنه لم يقبضه فلا يعتبر حق الطالب، وهو المتبادر من الهداية ا ه.