خيار الرؤية مدفوع بأن خيار الرؤية قد يسقط برؤية بعض المبيع، فتبقى الجهالة المفضية إلى المنازعة، وكذا قد يبطل خيار الرؤية قبلها، بنحو بيع، أو رهن لما اشتراه كما سيأتي بيانه في بابها، ولذا قال المصنف هناك: صح البيع والشراء لما لم يرياه الإشارة إليه أو إلى مكانه شرط الجواز أه. فأفاد أن انتفاء الجهالة بهذه الإشارة شرط جواز أصل البيع، ليثبت بعده خيار الرؤية، نعم صحح بعضهم الجواز بدون الإشارة المذكورة، لكنه محمول على ما إذا حصل انتفاء الجهالة بدونها، ولذا قال في النهاية هناك: صح شراء ما لم يره: يعني شيئا مسمى موصوفا أو مشارا إليه أو إلى مكانه وليس فيه غيره بذلك الاسم ا ه. وقال في العناية، قال صاحب الاسرار: لان كلامنا في عين هي بحالة لو كانت الرؤية حاصلة لكان البيع جائزا ا ه. وفي حاوي الزاهدي: باع حنطة قدرا معلوما، ولم يعينها لا بالإشارة، ولا بالوصف لا يصح ا ه. هذا، والذي يظهر من كلامهم تفريعا وتعليلا أن المراد بمعرفة القدر والوصف ما ينفي الجهالة الفاحشة، وذلك بما يخصص المبيع عن أنظاره، وذلك بالإشارة إليه لو حاضرا في مجلس العقد، وإلا فبيان مقداره مع بيان وصفه لو من المقدرات، كبعتك كر حنطة بلدية مثلا بشرط كونه في ملكه، أو ببيان مكانه الخاص كبعتك ما في البيت، أو ما في كمي أو بإضافته إلى البائع كبعتك عبدي، ولا عبد له غيره، أو ببيان حدود أرض، ففي كل ذلك تنتفي الجهالة الفاحشة عن المبيع، وتبقى الجهال اليسيرة التي لا تنافي صحة البيع، لارتفاعها بثبوت خيار الرؤية، فإن خيار الرؤية إنما يثبت بعد صحة البيع لرفع تلك الجهالة اليسيرة لا لرفع الفاحشة المنافية لصحته، فاغتنم تحقيق هذا المقام بما يرفع الظنون والأوهام، ويندفع به التناقض واللوم عن عبارات القوم. قوله: (كمصري أو دمشقي) ونظيره إذا كان الثمن من غير النقود كالحنطة لا بد من بيان قدرها ووصفها ككر حنطة بحيرية أو صعيدية، كما أفاده الكمال وحققه في النهر. قوله: (غير مشار إليه) أي إلى ما ذكر من المبيع والثمن، قال في البحر لان التسليم والتسلم واجب بالعقد، وهذه الجهالة مفضية إلى المنازعة فيمتنع التسليم والتسلم، وكل جهالة هذه صفتها تمنع الجواز ا ه. قوله: (لا يشترط ذلك في مشار إليه) قال في البحر: وقوله غير مشار إليه قيد فيهما، لان المشار إليه مبيعا كان أو ثمنا لا يحتاج إلى معرفة قدره ووصفه، فلو قال:
بعتك هذه الصبرة من الحنطة أو هذه الكورجة من الأرز والشاشات وهي مجهولة العدد، بهذه الدراهم التي في يدك وهي مرئية له فقبل، جاز ولزم، لان الباقي جهالة الوصف: يعني القدر، وهو لا يضر إذ لا يمنع من التسليم والتسلم ا ه. قوله: (ما لم يكن) أي المشار إليه ربويا قوبل بجنسه: أي وبيع مجازفة مثل بعتك هذه الصبرة من الحنطة بهذه الصبرة. قال في البحر: فإنه لا يصح لاحتمال الربا، واحتماله مانع كحقيقته. قوله: (أو سلما) أراد به المسلم فيه بقرينة ما بعده، لكنه لا حاجة لذكره، لان المسلم فيه مؤجل غير حاضر، فلا يصح أن يكون مشارا إليه والكلام فيه. قوله: (لو مكيلا أو موزونا) فلا تكفي الإشارة إليه كما في مذروع وحيوان خلافا لهما، لأنه ربما لا يقدر على تحصيل المسلم فيه، فيحتاج إلى رد رأس المال، وقد ينفق بعضه ثم يجد باقيه معيبا فيرده ولا يستبدله رب السلم في مجلس الرد فيفسخ العقد في المردود، ويبقى في غيره، فتلزم جهالة المسلم فيه فيما بقي