وروى ابن المبارك أنه (ص) قال: إن الله عز وجل قد غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات، فقام عمر فقال: يا رسول الله هذا لنا خاصة؟ قال: هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة، فقال عمر رضي الله عنه: كثر خير ربنا وطاب وتمامه في الفتح، وساق فيه أحاديث أخر.
والحاصل أن حديث ابن ماجة وإن ضعف فله شواهد تصححه، والآية أيضا تؤيده، ومما يشهد له أيضا حديث البخاري مرفوعا من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه وحديث مسلم مرفوعا: إن الاسلام يهدم ما كان قبله، وإن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وإن الحج يهدم ما كان قبله لكن ذكر الأكمل في الشرح مشارق في هذا الحديث أن الحربي تحبط ذنوبه كلها بالاسلام والهجرة والحج، حتى لو قتل وأخذ المال وأحرز بدار الحرب ثم أسلم لم يؤاخذ بشئ من ذلك، وعلى هذا كان الاسلام كافيا في تحصيل مراده، ولكن ذكر (ص) الهجرة والحج تأكيدا في بشارته وترغيبا في مبايعته، فإن الهجرة والحج لا يكفران المظالم ولا يقطع فيهما بمحو الكبائر، وإنما يكفران الصغائر. ويجوز أن يقال: والكبائر التي ليست من حقوق أحد كإسلام الذمي اه ملخصا. وكذا ذكر الامام الطبي في شرحه وقال: إن الشارحين اتفقوا عليه، وهكذا ذكر النووي والقرطبي في شرح مسلم كما في البحر.
وفي شرح اللباب): ومشى الطيبي على أن الحج يهدم الكبائر والمظالم. ووقع منازعة غريبة بين أمير بادشاه من الحنفية حيث مال إلى قول الطيبي وبين الشيخ ابن حجر المكي من الشافعية، وقد مال إلى قول الجمهور وكتبت رسالة في بيان هذه المسألة ا ه.
قلت: وظاهر كلام الفتح الميل إلى تكفير المظالم أيضا، وعليه مشى الامام والسرخسي في شرح السير الكبير، وقاس عليه الشهيد الصابر المحتسب، وعزاه أيضا المناوي إلى القرطبي من شرح حديث من حج فلم يرفث الخ فقال: وهو يشمل الكبائر والتبعات، وإليه ذهب القرطبي. وقال عياض: هو محمول بالنسبة إلى المظالم على من تاب وعجز عن وفائها. وقال الترمذي: هو مخصوص بالمعاصي المتعلقة بحق الله تعالى لا العباد، ولا يسقط الحق نفسه بل من عليه صلاة يسقط عنه إثم تأخيرها لا نفسها، فلو أخرها بعده تجدد إثم آخر ا ه. ونحوه في البحر. وحقق ذلك البرهان اللقاني في شرحه الكبير على جوهرة التوحيد بأن قوله (ص)، خرج من ذنوبه لا يتناول حقوق الله تعالى وحقوق عباده، لأنها في الذمة ليست ذنبا، وإنما الذنب المطل فيها، فالذي يسقط:
إثم مخالفة الله تعالى ا ه.
والحاصل أن تأخير الدين وغيره وتأخير نحو الصلاة والزكاة من حقوقه تعالى، فيسقط إثم التأخير فقط عما مضى دون الأصل ودون التأخير المستقبل. قال في البحر: فليس معنى التكفير كما يتوهمه كثير من الناس أن الدين يسقط عنه، وكذا قضاء الصلاة والصوم والزكاة إذ لم يقل أحد بذلك ا ه. وبهذا ظهر أن قول الشارح كحربي أسلم في غير محله لاقتضائه كما قال ح: سقوط نفس الحق، ولا قائل به كما علمته، بل هذا الحكم يخص الحربي كما مر عن الأكمل