البغل والحمار فيمن بينه وبين مكة مراحل يسيرة دون البعيدة، لان غير الإبل لا يقوى عليها. قال السندي في منسكه الكبير: وهو تفصيل حسن جدا، ولم أر في كلام أصحابنا ما يخالفه بل ينبغي أن يكون هذا التفصيل مرادهم اه. فافهم. قوله: (وإنما صرحوا بالكراهة) أي التنزيهية كما استظهره صاحب البحر بدليل أفضلية مقابلة ط. قوله: (به يفتى) لعل وجهه أن فيه زيادة النفقة، وهي مقصودة في الحج، ولذا اشترط في الحج عن الغير أن يحج راكبا إذا اتسعت النفقة، حتى لو حج ماشيا ولو بأمره ضمن كما صرح به في اللباب، لكن سيأتي آخر كتاب الحج أن من نذر حجا ماشيا وجب عليه المشي في الأصح وعليه المتون، وعلله في الهداية وغيرها بأنه التزم القربة بصفة الكمال لقوله (ص): من حج ماشيا كتب الله له بكل خطوة حسنة من حسنات الحرم، قيل: وما حسنات الحرم؟ قال: كل حسنة بسبعمائة ولأنه أشق على البدن فكان أفضل، وتمامه في شرح الجامع الخاني. وقال في الفتح: إن قيل كره أبو حنيفة الحج ماشيا فكيف يكون صفة كمال؟ قلنا: إنما كرهه إذا كان مظنة سوء الخلق، كأن يكون صائما مع المشي أو لا يطيقه، وإلا فلا شك أن المشي أفضل في نفسه لأنه أقرب إلى التواضع والتذلل، ثم ذكر الحديث المار وغيره.
قلت: وأما مسألة الحج عن الغير فلعل وجهها أن الميت لما عجز عن إحدى المشقتين وهي مشقة البدن، ولم يقدر إلا على الأخرى وهي مشقة المال صارت كأنها هي المقصود فلزم الاتيان بها كاملة، ولذا وجب الإحجاج من منزل الآمر والانفاق من ماله، ولم يجزه تبرع غيره عنه لعدم حصول مقصوده، فليتأمل. قوله: (والمقتب أفضل من المحارة) لأنه (ص) حج كذلك، ولأنه أبعد من الرياء والسمعة وأخف على الحيوان. قوله: (وفي إجارة الخلاصة الخ) قال الخير الرملي: نقله في الخلاصة عن الفتاوى الصغرى، ولعمري هذا إجحاف على الحمار وإنصاف في حق الجمل، فتأمل. وذكر في الجوهرة أن المن ستة وعشرون أوقية، والأوقية سبعة مثاقيل وهي عشرة دراهم، والمائتان وأربعون منا هي الوسق، وهي قنطار دمشقي تقريبا. قوله: (فظاهره أن البغل كالحمار) كذا في النهر، وكأنه أراد الحمار القوي المعد لحمل الأثقال في الاسفار فإنه كالبغل، وإلا فأكثر الحمير دون البغال بكثير، فافهم. قوله: (ولو وهب الأب لابنه الخ) وكذا عكسه، وحيث لا يجب قبوله مع أنه لا يمن أحدهما على الآخر يعلم حكم الأجنبي بالأولى، ومراده إفادة أن القدرة على الزاد والراحلة لا بد فيها من الملك دون الإباحة والعارية كما قدمناه. قوله: (وهذا) أي المذكور وهو القدرة على الزاد والراحلة. قوله: (خلافا للأصوليين) حيث قالوا: إنها من شروط وجوب الأداء، وتمامه في البحر وفيما علقناه عليه. قوله: (كما مر في الزكاة) أي من بيان مالا بد منه من الحوائج الأصلية كفرسه وسلاحه وثيابه وعبيد خدمته وآلات حرفته وأثاثه وقضاء ديونه وأصدقته ولو مؤجلة كما في اللباب وغيره، والمراد قضاء ديون العباد، ولذا قال في اللباب أيضا: وإن وجد مالا وعليه حج وزكاة يحج به، قيل: إلا أن يكون المال من جنس ما تجب فيه الزكاة فيصرف إليها اه.