بما لا يرتضيه الخصمان، فإن المستدل على فرضيته بالآية أراد به أنه فرض قطعي كما صرح به في الدرر لا ظني، ولذا اعترض في الفتح الاستدلال بالآية بأنها لا تفيد الفرضية لما مر من تخصيصها، وعدل عنه كصدر الشريعة إلى الاستدلال بالاجماع. قوله: (كما بسطه خسرو) أي في الدرر حيث أجاب عن قول صدر الشريعة: إن المنذور فرض لان لزومه ثابت بالاجماع، فيكون قطعي الثبوت بأن المراد بالفرض هاهنا الفرض الاعتقادي الذي يكفر جاحده كما تدل عليه عبارة الهداية، والفرضية بهذا المعنى لا تثبت بمطلق الاجماع، بل بالاجماع على الفرضية المنقول بالتواتر كما في صوم رمضان، ولما لم يثبت في المنذور نقل الاجماع على فرضيته بالتواتر بقي في الوجوب، فإن الاجماع المنقول بطريق الشهرة أو الآحاد يفيد الوجوب دون الفرضية بهذا المعنى اه.
قلت: وظاهر كلامه وجود الاجماع على فرضية المنذور، لكن لما لم ينقل متواترا بل بطريق الشهرة أو الآحاد أفاد الوجوب، والأظهر ما مر عن ابن الكمال من أن الاجماع على ثبوته عملا لا علما.
والحاصل أن العلماء أجمعوا على لزوم الكفارات والمنذورات الشرعية، ولا يلزم من ذلك الفرضية القطعية اللازمة منها إكفار الجاحد لها.
تنبيه: في شرح الشيخ إسماعيل عن ذخيرة العقبي: اعلم أنه قد اضطرب كلام المؤلفين في كل من النذور والكفارات. فصاحب الهداية والوقاية فرض، وصدر الشريعة واجب، والزيلعي الأول واجب والثاني فرض، وابن ملك بالعكس، وتوجيه كل ظاهر إلا الأخير. قوله: (ونفل) أراد به المعنى اللغوي وهو الزيادة لا الشرعي وهو زيادة عبادة شرعية لنا لا علينا، لأنه أدخل فيه المكروه بقسميه. وقد يقال: إن المراد المعنى الشرعي لما قدمناه من أن الصوم في الأيام المكروهة من حيث نفسه عبادة مستحسنة، ومن حيث تضمنه الاعراض عن الضيافة يكون منهيا فبقي مشروعا بأصله دون وصفه. تأمل. قوله: (يعم السنة) قدمنا في بحث سنن الوضوء تحقيق الفرق بين السنة والمندوب.
وأن السنة ما واظب عليها النبي (ص) أو خلفاؤه من بعده، وهي قسمان: سنة الهدى وتركها يوجب الإساءة والكراهة كالجماعة والاذان، وسنة الزوائد كسير النبي (ص) في لباسه وقيامه وقعوده، ولا يوجب تركها كراهة. والظاهر أن صوم عاشوراء من القسم الثاني، بل سماه في الخانية مستحبا فقال: ويستحب أن يصوم يوم عاشوراء بصوم يوم قبله أو يوم بعده ليكون مخالفا لأهل الكتاب، ونحوه في البدائع، بل مقتضى ما ورد من أن صومه كفارة للسنة الماضية وصوم عرفة كفارة للماضية والمستقبلة كون صوم عرفة آكد منه، وإلا لزم كون المستحب أفضل من السنة، وهو خلاف الأصل.
تأمل. قوله: (والمندوب) بالنصب عطف على السنة، ولم يذكر المستحب لعدم الفرق بينه وبين المندوب عند الأصوليين، وهو ما لم يواظب عليه (ص) وإن لم يفعله بعد ما رغب إليه كما في التحرير. وعند الفقهاء: المستحب ما فعله (ص) مرة وتركه أخرى، والمندوب: ما فعله مرة أو مرتين تعليما للجواز، وعكس في المحيط. وقول الأصوليين أولى لشموله ما رغب فيه ولم يفعله كما