جائفة لم يحكم بنجاسته وهذه المسألة مما تعم بها البلوى. القول في النجاسة المخففة وإزالتها ثم شرع في حكم النجاسة المخففة فقال (إلا بول الصبي الذي يأكل الطعام) أي للتغذي قبل مضي حولين (فإنه يطهر برش الماء عليه) بأن يرش عليه ما يعمه ويغمره بلا سيلان، بخلاف الصبية والخنثى لا بد في بولهما من الغسل على الأصل، ويتحقق بالسيلان وذلك لخبر الشيخين عن أم قيس: أنها جاءت بابن لها صغير لم يأكل الطعام فأجلسه رسول الله (ص) في حجره فبال عليه فدعا بماء فنضحه ولم يغسله. ولخبر الترمذي وحسنه: يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام. وفرق بينهما بأن الائتلاف بحمل الصبي يكثر فخفف في بوله، وأن بوله أرق من بولها فلا يلصق بالمحل كلصوق بولها، به وألحق بها الخنثى وخرج بقيد التغذي تحنيكه بنحو تمر وتناوله نحو سفوف لاصلاح فلا يمنعان النضح كما في المجموع وبقبل مضي حولين ما بعدهما إذ الرضاع حينئذ كالطعام كما نقل عن النص ولا بد في النضح من إزالة أوصافه كبقية النجاسات، وإنما سكتوا عن ذلك لأن الغالب سهولة زوالها خلافا للزركشي من أن بقاء اللون والريح لا يضر. القول في النجاسات المعفو عنها (ولا يعفى عن شئ من النجاسات) كلها مما يدركه البصر (إلا اليسير) في العرف (من الدم والقيح) الأجنبيين، سواء أكان من نفسه كأن انفصل منه ثم عاد إليه أو من غيره غير دم الكلب والخنزير، وفرع أحدهما لأن جنس الدم يتطرق إليه العفو فيقع القليل منه في محل المسامحة. قال في الام: والقليل ما تعافاه الناس أي عدوه عفوا والقيح دم استحال إلى نتن وفساد ومثله الصديد. أما دم نحو الكلب والخنزير فلا يعفى عن شئ منه لغلظه كما صرح في البيان ونقله عنه في المجموع وأقره، وكذا لو أخذ دما أجنبيا ولطخ به نفسه أي بدنه أو ثوبه، فإنه لا يعفى عن شئ منه لتعديه بذلك، فإن التضمخ بالنجاسة حرام، وأما دم الشخص نفسه الذي لم ينفصل كدم الدماميل والقروح وموضع الفصد والحجامة فيعفى عن قليله وكثيره انتشر بعرق أم لا، ويعفى عن دم البراغيث والقمل والبق وونيم الذباب، وعن قليل بول الخفاش، وعن روثه وبول الذباب، لأن ذلك مما تعم به البلوى ويشق الاحتراز عنه ودم البراغيث والقمل رشحات تمصها من (بدن) الانسان وليس لها دم في نفسها ذكره الإمام وغيره في دم البراغيث ومثلها القمل.
تنبيه: محل العفو عن سائر الدماء ما لم تختلط بأجنبي، فإن اختلطت به ولو دم نفسه كأن خرج من عينه دم أو دميت لثته لم يعف عن شئ منه، نعم يعفى عن ماء الطهارة إذا لم يتعمد وضعه عليها، وإلا فلا يعفى عن شئ منه. قال النووي في مجموعه في الكلام على كيفية المسح على الخف: لو تنجس أسفل الخف بمعفو عنه لا يمسح على أسفله، لأنه لو مسحه زاد التلويث ولزمه حينئذ غسله وغسل اليد انتهى.
واختلف فيما إذا لبس ثوبا فيه دم براغيث وبدنه رطب، فقال المتولي: يجوز وقال الشيخ أبو علي السنجي: لا يجوز لأنه لا ضرورة إلى تلويث بدنه، وبه جزم المحب الطبري تفقها ويمكن حمل الكلام الأول على ما إذا كانت الرطوبة بماء وضوء أو غسل مطلوب لمشقة الاحتراز عنه كما لو كانت بعرق، والثاني في غير ذلك كما علم مما مر. وينبغي أن يلحق بماء الطهارة ما يتساقط من الماء حال شربه