لأنه لما كان مقصودا لقمع الشهوة ومخالفة الهوى التحق بالفعل، ويجب أن يبادر بغسل المتنجس عاص بالتنجيس كأن استعمل النجاسة في بدنه بغير عذر خروجا من المعصية، فإن لم يكن عاصيا به فلنحو الصلاة ويندب أن يعجل به فيما عدا ذلك، وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين المغلظة وغيرها وهو كذلك، وإن قال الزركشي: ينبغي وجوب المبادرة بالمغلظة مطلقا. قال الأسنوي: والعاصي بالجنابة يحتمل إلحاقه بالعاصي بالتنجيس، والمتجه خلافه لأن الذي عصى به هنا متلبس به بخلافه ثم وإذا غسل فمه المتنجس فليبالغ في الغرغرة ليغسل كل ما في حد الظاهر ولا يبلع طعاما ولا شرابا قبل غسله لئلا يكون آكلا للنجاسة نقله في المجموع عن الشيخ أبي محمد الجويني وأقره. حكم تخلل الخمر (وإذا تخللت الخمرة) أي المحترمة وغيرها والمحترمة: هي التي عصرت بقصد الخلية أو هي التي عصرت لا بقصد الخمرية، وهذا الثاني أولى (بنفسها طهرت) لأن علة النجاسة والتحريم الاسكار وقد زالا، ولان العصير غالبا لا يتخلل إلا بعد التخمر، فلو لم نقل بالطهارة لتعذر اتخاذ خل من الخمر وهو حلال إجماعا ويطهر دنها معها، وإن غلت حتى ارتفعت وتنجس بها ما فوقها منه وتشرب منها للضرورة، وكذا تطهر لو نقلت من شمس إلى ظل أو عكسه أو فتح رأس الدن لزوال الشدة من غير نجاسة خلفتها. (وإن تخللت بطرح شئ فيها) كالبصل والخبز الحار ولو قبل التخمر (لم تطهر) لتنجس المطروح فيها فينجسها بعد انقلابها خلا.
تنبيه: لو عبر بالوقوع بدل الطرح لكان أولى، لئلا يرد عليه ما لو وقع فيها شئ بغير طرح كإلقاء ريح، فإنها لا تطهر معه على الأصح، نعم لو عصر العنب ووقع منه بعض حبات في عصيره لم يمكن الاحتراز عنها ينبغي أنها لا تضر، ولو نزعت العين الطاهرة منها قبل التخلل لم يضر لفقد العلة بخلاف العين النجسة لأن النجس يقبل التنجيس فلا تطهر بالتخلل ولو ارتفعت بلا غليان بل بفعل فاعل لم يطهر الدن، إذ لا ضرورة ولا الخمر لاتصالها بالمرتفع النجس، فلو غمر المرتفع بخمر طهرت بالتخلل ولو بعد جفافه خلافا للبغوي في تقييده بقبل الجفاف، ولو نقلت من دن إلى آخر طهرت بالتخلل بخلاف ما لو أخرجت منه ثم صب فيه عصير فتخمر ثم تخلل. والخمرة هي المتخذة من ماء العنب ويؤخذ من الاقتصار عليها أن النبيذ وهو المتخذ من غير ماء العنب كالتمر لا يطهر بالتخلل، وبه صرح القاضي أبو الطيب لتنجس الماء به حالة الاشتداد فينجسه بعد الانقلاب خلا. وقال البغوي: يطهر. واختاره السبكي وهو المعتمد لأن الماء من ضرورياته، ويدل له ما صرحوا به في باب الربا أنه لو باع خل تمر بخل عنب أو خل زبيب بخل رطب صح، ولو اختلط عصير بخل مغلوب ضر لأنه لقلة الخل فيه يتخمر فيتنجس به بعد تخلله أو بخل غالب فلا يضر، لأن الأصل والظاهر عدم التخمر، وأما المساوي فينبغي إلحاقه بالخل الغالب لما ذكر.
فائدة: الخمر مؤنثة كما استعملها المصنف وقد تذكر على ضعف ويقال فيها خمرة بالتاء على لغة قليلة.
تتمة: قال الحليمي: قد يصير العصير خلا من غير تخمر في ثلاث صور. الأولى: أن يصب في الدن المعتق بالخل. الثانية: أن يصب الخل في العصير فيصير بمخالطته خلا من غير تخمر، لكن محله كما علم مما مر أن لا يكون العصير غالبا. الثالثة إذا تجردت حبات العنب من عناقيده ويملا منها الدن ويطين رأسه ويجوز إمساك ظروف الخمر، والانتفاع بها واستعمالها إذا غسلت وإمساك المحترمة لتصير خلا. وغير المحترمة تجب إراقتها، فلو لم يرقها فتخللت طهرت على الصحيح كما مر.