مطلوبة بل داعية لما يضاد الصوم من الانزال، بخلاف المبالغة فيما ذكر، وبأنه هنا يمكنه إطباق الحلق ومج الماء وهناك لا يمكنه رد المني إذا خرج لأنه ماء دافق، وبأنه ربما كان في القبلة إفساد لعبادة اثنين. (الجمع والفصل في المضمضة والاستنشاق) والأظهر تفضيل الجمع بين المضمضة والاستنشاق على الفصل بينهما لصحة الأحاديث الصريحة في ذلك، ولم يثبت في الفصل شئ كما قاله النووي في مجموعه، وكون الجمع بثلاث غرف يتمضمض من كل ثم يستنشق مرة أفضل من الجمع بغرفة يتمضمض منها ثلاثا ثم يستنشق ثلاثا، أو يتمضمض منها ثم يستنشق مرة، ثم كذلك ثانية وثالثة للأخبار الصحيحة في ذلك. وفي الفصل كيفيتان: أفضلهما يتمضمض بغرفة ثلاثا ثم يستنشق بأخرى ثلاثا، والثانية أن يتمضمض بثلاث غرفات ثم يستنشق بثلاث غرفات وهذه أنظف الكيفيات وأضعفها، والسنة تتأدى بواحدة من هذه الكيفيات لما علم أن الخلاف في الأفضل منها.
فائدة: في الغرفة لغتان الفتح والضم، فإن جمعت على لغة الفتح تعين فتح الراء، وإن جمعت على لغة الضم جاز إسكان الراء وضمها وفتحها. فتلخص في غرفات أربع لغات. (القول في مسح جميع الرأس) (و) الخامسة:
(مسح جميع الرأس) للاتباع رواه الشيخان وخروجا من خلاف من أوجبه والسنة في كيفيته أن يضع يديه على مقدم رأسه ويلصق سبابته بالأخرى وإبهاميه على صدغيه ثم يذهب بهما إلى قفاه، ثم يردهما إلى المكان الذي ذهب منه إن كان له شعر ينقلب، وحينئذ يكون الذهاب والرد مسحة واحدة لعدم تمام المسحة بالذهاب، فإن لم ينقلب شعره لضفره أو لقصره أو عدمه لم يرد لعدم الفائدة فإن ردهما لم تحسب ثانية لأن الماء صار مستعملا. فإن قيل: هذا مشكل بمن انغمس في ماء قليل ناويا رفع الحدث ثم أحدث وهو منغمس، ثم نوى رفع الحدث في حال انغماسه فإن حدثه يرتفع ثانيا. أجيب: بأن ماء المسح تافه فليس له قوة كقوة هذا، ولذلك لو أعاد ماء غسل الذراع مثلا ثانيا لم يحسب له غسلة أخرى لأنه تافه بالنسبة إلى ماء الانغماس.
تنبيه: إذا مسح كل رأسه هل يقع كله فرضا أو ما يقع عليه الاسم والباقي سنة؟ وجهان. كنظيره من تطويل الركوع والسجود والقيام وإخراج البعير عن خمس في الزكاة، واختلف كلام الشيخين في كتبهما في الترجيح في ذلك، ورجح صاحب العباب أن ما يقع عليه الاسم في الرأس فرض، والباقي تطوع، ومثله في ذلك ما أمكن فيه التجزي كالركوع بخلاف ما لم يمكن كبعير الزكاة وهو تفصيل حسن. (القول في المسح على العمامة) فإن كان على رأسه نحو عمامة كخمار وقلنسوة ولم يرد رفع ذلك كمل بالمسح عليها وإن لبسها على حدث لخبر مسلم: أنه (ص) توضأ فمسح بناصيته وعلى عمامته. وسواء أعسر تنحيتها أم لا. ويفهم من قولهم كمل أنه لا يكفي الاقتصار على العمامة ونحوها وهو كذلك. (القول في مسح الاذنين وكيفيته) (و) السادسة:
(مسح) جميع (أذنيه ظاهرهما وباطنهما بماء جديد) لأنه (ص) مسح في وضوئه برأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما، وأدخل أصبعيه في صماخي أذنيه ويأخذ لصماخيه أيضا ماء جديدا. وكيفية المسح أن يدخل مسبحتيه في صماخيه ويديرهما في المعاطف، ويمر إبهاميه على ظاهر أذنيه ثم يلصق كفيه وهما مبلولتان بالأذنين استظهارا. والصماخ بكسر الصاد ويقال بالسين هو خرق الاذن، وتأخير مسح الاذنين عن الرأس مستحق كما هو الأصح في الروضة، ولو أخذ بأصابعه ماء لرأسه فلم يمسحه بماء بعضها ومسح به الاذنين كفى لأنه ماء جديد.