إلا لعذر كما سيأتي، لأنه (ص) توضأ ثلاثا ثلاثا ثم قال: هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم. رواه أبو داود وغيره، وقال في المجموع: إنه صحيح. قال نقلا عن الأصحاب وغيرهم: فمن زاد على الثلاث أو نقص عنها فقد أساء وظلم في كل من الزيادة والنقص. فإن قيل: كيف يكون إساءة وظلما وقد ثبت أنه (ص) توضأ مرة مرة ومرتين مرتين؟
أجيب: بأن ذلك كله كان لبيان الجواز. فكان في ذلك الحال أفضل لأن البيان في حقه (ص) واجب. قال ابن دقيق العيد: ومحل الكراهة في الزيادة إذا أتى بها على قصد نية الوضوء، أي أو أطلق فلو زاد عليها بنية التبرد أو مع قطع نية الوضوء عنها لم يكره. وقال الزركشي: ينبغي أن يكون موضع الخلاف ما إذا توضأ ماء مباح أو مملوك له، فإن توضأ بماء موقوف على من يتطهر منه أو يتوضأ منه كالمدارس والربط حرمت عليه الزيادة بلا خلاف لأنها غير مأذون فيها. انتهى.
تنبيه: قد يطلب ترك التثليث كأن ضاق الوقت بحيث لو اشتغل به لخرج الوقت فإنه يحرم عليه التثليث، أو قل الماء بحيث لا يكفيه إلا للفرض فتحرم الزيادة لأنها تحوجه إلى التيمم مع القدرة على الماء كما ذكره البغوي في فتاويه، وجرى عليه النووي في التحفة، أو احتاج إلى الفاضل عنه لعطش بأن كان معه من الماء ما يكفيه للشرب لو توضأ به مرة مرة، ولو ثلث لم يفضل للشرب شئ فإنه يحرم عليه التثليث كما قاله الجيلي في الاعجاز، وإدراك الجماعة أفضل من تثليث الوضوء وسائر آدابه، ولا يجزئ تعدد قبل إتمام العضو نعم لو مسح بعض رأسه ثلاثا حصل التثليث لأن قولهم من سنن الوضوء تثليث الممسوح شامل لذلك، وأما ما تقدم فمحله في عضو يجب استيعابه بالتطهير ولا بعد تمام الوضوء، فلو توضأ مرة مرة ثم توضأ ثانيا وثالثا كذلك لم يحصل التثليث كما جزم به ابن المقري في روضه، وفي فروق الجويني ما يقتضيه، وإن أفهم كلام الإمام خلافه. فإن قيل: قد مر في المضمضة والاستنشاق أن التثليث يحصل بذلك. أجيب: بأن الفم والأنف كعضو واحد، فجاز فيهما كاليدين بخلاف الوجه واليد مثلا لتباعدهما، فينبغي أن يفرغ من أحدهما ثم ينتقل إلى الآخر، ويأخذ الشاك باليقين في المفروض وجوبا وفي المندوب ندبا، لأن الأصل عدم ما زاد، كما لو شك في عدد الركعات، فإذا شك هل غسل ثلاثا أو مرتين أخذ بالأقل وغسل أخرى. (القول في الموالاة وضابطها) (و) العاشرة: (الموالاة) بين الأعضاء في التطهير بحيث لا يجف الأول قبل الشروع في الثاني مع اعتدال الهواء ومزاج الشخص نفسه والزمان والمكان، ويقدر الممسوح مغسولا. هذا في غير وضوء صاحب الضرورة كما تقدم، وما لم يضق الوقت وإلا فتجب والاعتبار بالغسلة الأخيرة ولا يحتاج التفريق الكثير إلى تجديد نية عند عزوبها لأن حكمها باق. (القول في السنن الزائدة على العشر) وقد قدمنا أن المصنف لم يحصر سنن الوضوء فيما ذكره، فلنذكر منها شيئا مما تركه، فمن السنن ترك الاستعانة في الصب عليه لغير عذر لأنه الأكثر من فعله (ص)، ولأنها نوع من التنعم والتكبر، وذلك لا يليق بالمتعبد والاجر على قدر النصب، وهي خلاف الأولى. أما إذا كان ذلك لعذر كمرض أو نحوه فلا يكون خلاف الأولى دفعا للمشقة، بل قد تجب الاستعانة إذا لم يمكنه التطهير إلا بها ولو ببذل أجرة مثل، والمراد بترك الاستعانة الاستقلال بالافعال لا طلب الإعانة فقط حتى لو أعانه غيره وهو ساكت كان الحكم كذلك. ومنها ترك نفض الماء لأنه كالتبري من العبادة فهو خلاف الأولى كما جزم به النووي في التحقيق، وإن رجح في زيادة الروضة أنه مباح. ومنها ترك تنشيف الأعضاء بلا عذر لأنه يزيل أثر العبادة، ولأنه (ص) بعد غسله من الجنابة أتته ميمونة بمنديل فرده، وجعل يقول بالماء هكذا ينفضه. رواه الشيخان ولا دليل