وخبر الصحيحين: إنه (ص) اعتكف العشر الأوسط من رمضان، ثم اعتكف العشر الأواخر منه ولازمه حتى توفاه الله تعالى، ثم اعتكف أزواجه من بعده. وهو من الشرائع القديمة قال تعالى * (وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين) * (والاعتكاف سنة) مؤكدة وهي (مستحبة) أي مطلوبة في كل وقت في رمضان وغيره بالاجماع ولاطلاق الأدلة. قال الزركشي فقد روي: من اعتكف فواق ناقة فكأنما أعتق نسمة وهو في العشر الأواخر من رمضان أفضل منه في غيره لطلب ليلة القدر، فيحييها بالصلاة والقراءة وكثرة الدعاء فإنها أفضل ليالي السنة. قال تعالى * (ليلة القدر خير من ألف شهر) * أي العمل فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، وفي الصحيحين: من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر الله له ما تقدم من ذنبه. وهي منحصرة في العشر الأواخر كما نص عليه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وعليه الجمهور، وأنها تلزم ليلة بعينها، وقال المزني وابن خزيمة: إنها منتقلة في ليالي العشر جمعا بين الأحاديث واختاره في المجموع والمذهب الأول. قال النووي في شرح مسلم: ولا ينال فضلها إلا من أطلعه الله عليها. لكن قال المتولي: يستحب التعبد في كل ليالي العشر حتى يجوز الفضيلة على اليقين، فظاهر هذا أنه يجوز فضلها سواء اطلع عليها أم لا وهذا أولى.
نعم حال من اطلع عليها أكمل إذا قام بوظائفها وروي عن أبي هريرة مرفوعا: من صلى العشاء الأخيرة في جماعة من رمضان فقد أدرك ليلة القدر وميل الشافعي رحمه الله تعالى إلى أنها ليلة الحادي والعشرين أو الثالث والعشرين. وقال ابن عباس وأبي: هي ليلة سبع وعشرين وهو مذهب أكثر أهل العلم وفيها نحو الثلاثين قولا ومن علاماتها أنها طلقة لا حارة ولا باردة، وتطلع الشمس في صبيحتها بيضاء ليس فيها كثير شعاع. ويندب أن يكثر في ليلتها من قول: اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني وأن يجتهد في يومها كما يجتهد في ليلتها، وخصت بها هذه الأمة وهي باقية إلى يوم القيامة، ويسن لمن رآها أن يكتمها. (وله) أي الاعتكاف (شرطان) أي ركنان فمراده بالشرط ما لا بد منه بل أركانه أربعة كما ستعرفه. الأول: (النية) بالقلب كغيره من العبادات، وتجب نية فرضية في نذره ليتميز عن النفل وإن أطلق الاعتكاف بأن لم يقدر له مدة كفته نية، وإن طال مكثه، لكن لو خرج من المسجد بلا عزم عود وعاد جددها سواء أخرج لتبرز أم لغيره لأن ما مضى عبادة تامة، فإن عزم على العود كانت هذه العزيمة قائمة مقام النية. ولو قيده بمدة كيوم وشهر وخرج لغير تبرز وعاد جدد النية أيضا وإن لم يطل الزمن لقطعه الاعتكاف بخلاف خروجه لتبرز فإنه لا يجب تجديدها، وإن طال الزمن فإنه لا بد منه فهو كالمستثنى عند النية، لا إن نذر مدة متتابعة فخرج العذر لا يقطع التتابع فلا يلزمه تجديد سواء أخرج لتبرز أم لغيره. (و) الثاني (اللبث) بقدر ما يسمى عكوفا أي إقامة، بحيث يكون زمنها فوق زمن الطمأنينة في الركوع ونحوه فلا يكفي قدرها ولا يجب السكون بل يكفي التردد فيه. وأشار إلى الركن الثالث بقوله (في المسجد) فلا يصح في غيره للاتباع رواه الشيخان وللاجماع ولقوله تعالى * (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) * والجامع أولى من بقية المساجد لكثرة الجماعة فيه، ولئلا يحتاج إلى