الثالثة: أن يتكرر وتصر عليه، فله الهجران والضرب بلا خلاف، هذه هي الطريقة المعتمدة في المراتب الثلاث. وحكى ابن كج قولا في جواز الهجران والضرب عند خوف النشوز، لظاهر الآية. وحكى الحناطي في حالة ظهور النشوز، ثلاثة أقوال. أحدها: له الوعظ والهجران والضرب. والثاني: يتخير بينها ولا يجمع. والثالث: يعظها. فإن لم تتعظ هجرها، فإن لم تنزجر ضربها.
فرع فيما تصير به ناشزة فمنه الخروج من المسكن، والامتناع من مساكنته، ومنع الاستمتاع بحيث يحتاج في ردها إلى الطاعة إلى تعب، ولا أثر لامتناع الدلال، وليس من النشوز الشتم وبذاء اللسان، لكنها تأثم بايذائه، وتستحق التأديب، وهل يؤدبها الزوج، أم يرفع إلى القاضي ليؤدبها؟ وجهان. ولو مكنت من الجماع ومنعت من سائر الاستمتاعات، فهل هو نشوز يسقط النفقة؟ وجهان.
قلت: أصحهما نعم. والأصح من الوجهين في تأديبها، أنه يؤدبها بنفسه، لأن في رفعها إلى القاضي مشقة وعارا وتنكيدا للاستمتاع فيما بعد، وتوحيشا للقلوب، بخلاف ما لو شتمت أجنبيا. والله أعلم.
الحال الثاني: أن يتعدى الرجل، فينظر، إن منعها حقا كنفقة أو قسم، ألزمه الحاكم توفية حقها. ولو كان يسئ خلقه ويؤذيها ويضربها بلا سبب، ففي التتمة أن الحاكم ينهاه. فإن عاد، عزره. وفي الشامل وغيره، أنه يسكنهما بجنب ثقة ينظرهما، ويمنعه من التعدي، والنقلان متقاربان. وذكروا أنه لو كان التعدي منهما جميعا، فكذلك يفعل الحاكم، ولم يتعرضوا للحيلولة. وقال الغزالي: يحال بينهما حتى يعودا إلى العدل. قال: ولا يعتمد قوله في العدل، وإنما يعتمد قولها وشهادة القرائن. وإن كان لا يمنعها حقا، ولا يؤذيها بضرب ونحوه، لكن يكره صحبتها لمرض أو كبر، ولا يدعوها إلى فراشه، أو يهم بطلاقها، فلا شئ عليه ويستحب لها أن تسترضيه بترك بعض حقها من قسم أو نفقة، وكذا لو كانت هي تشكوه وتكره صحبته، فيحسن أن يبرها ويستميل قلبها بما تيسر له.
الحال الثالث: إذا نسب كل واحد الآخر إلى التعدي، وسوء الخلق، وقبح السيرة، ولم يعرف الحاكم المتعدي منهما، يعرف حالهما من ثقة في جوارهما خبير