وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود والنسائي مرفوعا " لأنذر ولا يمين فيما لا تملك ولا في معصية ولا في قطيعة رحم. ومن حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليدعها وليأت الذي هو خير فإن تركها كفارتها " وذكره البيهقي وقال لم يثبت وقال أبو داود: الأحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم " وليكفر عن يمينه " إلا مالا يعبأ به، قال الحافظ في الفتح: ورواته لا بأس بهم. وقد استدل بحديث أم سلمة على أن الكفارة يجب تقديمها على الحنث، ولا يعارض ذلك الروايات التي سقناها وفيها " فاءت الذي هو خير وكفر " لان الواو لا تدل على ترتيب، إنما هي لمطلق الجمع، على أن الواو لو كانت تفيد ذلك لكانت الرواية التي فيها " فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير " تخالفها. وكذلك بقية الروايات المذكورة آنفا، قال ابن المنذر: رأى ربيعة والأوزاعي ومالك والليث وسائر فقهاء الأمصار غير أهل الرأي أن الكفارة تجزى قبل الحنث، إلا أن الشافعي استثنى الصيام فقال لا يجزى إلا بعد الحنث. وقال أصحاب الرأي: لا تجزئ قبل الحنث. وعن مالك روايتان. ووافق الحنفية أشهب عن المالكية وداود الظاهري وخالفه ابن حزم، واحتج له الطحاوي بقوله تعالى (ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم) فإن المراد إذا حلفتم فحنثتم ورده مخالفوه فقالوا: إذا أردتم الحنث قال الحافظ بن حجر: وأولى من ذلك أن يقال التقدير أعم من ذلك، فليس أحد التقديرين بأولى من الآخر، وسيأتي لهذا البحث مزيد في الكلام على الكفارة قوله " ويصح اليمين على الماضي والمستقبل " وجملة ذلك أن اليمين على الماضي تنقسم ثلاثة أقسام، ما هو صادق فيه فلا كفارة فيه إجماعا. وما تعمد الكذب فيه فهو يمين الغموس، وقد اختلف في كفارتها وسيأتي بيانها، واليمين على المستقبل، وهو ما عقد عليه قلبه وقصد اليمين عليه ثم خالف فعليه الكفارة.
وما لم يعقد عليه قلبه ولم يقصد اليمين عليه، وإنما جرت على لسانه فهو من لغو اليمين، وكلام عائشة يدل على هذا فإنها قالت: أيمان اللغو ما كان في المراء والمزاحة والهزل.