فاستدلوا بقوله تعالى " ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم " - " فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله " فاستثنى أنفسهم من الشهداء، فلا يقبل إلا من ليس من أهل الشهادة، فردنا عليهم أن الله تعالى سماه شهادة لقوله في يمينه " أشهد بالله " فسمى ذلك شهادة وإن كان يمينا. كما قال تعالى " إذا جاء المنافقون قالوا نشهد انك لرسول الله " اعتبارا بلفظها، وكيف وهو مصرح فيه بالقسم وجوابه.
وكذلك لو قال أشهد بالله انعقدت يمينه بذلك، سواء نوى اليمين أو أطلق، والعرب تعد ذلك يمينا في لغتها واستعمالها. قال قيس بن الملوح الشهير بالمجنون:
فأشهد عند الله أنى أحبها * فهذا لها عندي فما عندها ليا؟
قال ابن القيم في الهدى: وفى هذا البيت حجة لمن قال: إن قوله أشهد تنعقد به اليمين، ولو لم يقل بالله، كما هو إحدى الروايتين عن أحمد. والثانية لا يكون يمينا الا بالنية، وهو قول الأكثرين. كما أن قوله أشهد بالله يمين عند الأكثرين بمطلقه. وأما استثناؤه سبحانه أنفسهم من الشهداء فيقال أولا الا ههنا صفة بمعنى غير، والمعنى ولم يكن لهم شهداء غير أنفسهم، فإن غير وإلا يتعاوضان الوصفية والاستثناء، فيستثنى بغر حملا على الا، ويوصف بإلا، حملا على غير، ويقال ان أنفسهم مستثنين من الشهداء ولكن يجوز أن يكون منقطعا على لغة تميم فإنهم يبدلون في المنقطع كما يبدل الحجازيون في المتصل. وكذلك استثنى أنفسهم من الشهداء لأنه نزلهم منزلتهم في قبول قولهم. وهذا قوى جدا على قول من يرجم المرأة بالتعان الزوج إذا نكلت وهو الصحيح كما سيأتي وكما مضى بعضه. والصحيح أن لعانهم يجمع الوصفين اليمين والشهادة، فهو شهادة مؤكدة بالقسم والتكرار، ويمين مغلظة بلفظ الشهادة والتكرار لاقتضاء الحال تأكيد الامر.
(فرع) إذا كان زائل العقل لجنون فلا حكم لقذفه لان القلم عنه مرفوع، فإذا أتت امرأته بولد فنسبه لاحق لامكانه، ولا سبيل إلى نفيه مع زوال عقله، فإذا عقل فله نفيه حينئذ واستلحاقه، وان ادعى انه كان ذاهب العقل حين قذفه - وأنكرت ذلك - فالحكم لصاحب البينة منهما، والا فالقول قوله (مسألة) الأخرس والخرساء إن كانا معلومي الإشارة والكتابة فهما كالناطقين في القذف واللعان.