(الشرح) يستفاد من هذين الفصلين أحكام مسائل وفروع، منها أن اللعان يصح من كل زوجين، سواء كانا مسلمين أو كافرين، عاقلين بالغين، حرين أو عبدين. وقال أحمد في إحدى الروايتين رواها ابن منصور: جميع الأزواج يلتعنون، الحر من الحرة والأمة إذا كانت زوجة. وكذلك المسلم من اليهودية والنصرانية. وقال سعيد ابن المسيب وسليمان بن يسار والحسن وربيعة ومالك وإسحاق: يصح من كل زوجين مكلفين. مسلمين أو كافرين. عدلين أو فاسقين أو محدودين في قذف أو كان أحدهما كذلك.
وقال أحمد في روايته الأخرى: لا يصح اللعان الا من زوجين مسلمين عدلين حرين غير محدودين في قذف وروى هذا عن الزهري والثوري والأوزاعي وحماد وأصحاب الرأي، ومأخذ القولين أن اللعان يجمع وصفين اليمين والشهادة، وقد سماه القرآن شهادة وسماه الرسول صلى الله عليه وسلم يمينا في حديث " لولا الايمان لكان لي ولها شأن " فمن غلب حكم الايمان قال: يصح من كل من يصح يمينه. وهذا مذهبنا ومذهب فقهاء الأمصار كافة الا أبا حنيفة، واحدى روايتي أحمد والزهري والثوري والأوزاعي وحماد فإنهم اعتبروه شهادة دليلنا قوله تعالى " والذين يرمون أزواجهم " وأنه قد سماه النبي صلى الله عليه وسلم يمينا.
ولأنه يفتقر إلى اسم الله والى ذكر القسم المؤكد وجوابه، ولأنه يستوي فيه الذكر والأنثى - بخلاف الشهادة - ولو كان شهادة لما تكرر لفظه بخلاف اليمين فإنه قد يشرع فيها التكرار كأيمان القسامة، ولان حاجة الزوج التي لا تصح منه الشهادة إلى اللعان ونفى الولد كحاجة من تصح شهادته سواء، والامر الذي نزل به مما يدعو إلى اللعان، كالذي ينزل بالعدل الحر، والشريعة الغراء لا ترفع ضرر أحد النوعين وتجعل له مخرجا مما نزل به، وتدع النوع الآخر في الآصار والاغلال، فلعله يكون صادقا فنقضي عليه بأن يكون تيسا أو ديوثا، ولا فرج له ما نزل به ولا مخرج ولا مهرب وأما احتجاج أبي حنيفة وأصحابه ومن قال بقوله من الفقهاء ممن ذكرنا آنفا