وقال أبو حنيفة والثوري والنخعي والشعبي: يقع طلاقه. دليلنا ما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " وروى عن عائشة رضي الله عنها " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طلاق ولا عتاق في اغلاق " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة وأبو يعلى والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم، والاغلاق بكسر الهمزة وسكون الغين فسره علماء الغريب بالاكراه، روى ذلك في التلخيص الحبير عن ابن قتيبة والخطابي وابن السيد وغيرهم، وقيل: الجنون، واستبعده المطرزي. وقال أبو عبيدة: الاغلاق التضييق.
وقد استدل بهذا الحديث من قال بعدم صحة طلاق المكره، وبه قال جماعة ما أهل العلم، وحكى ذلك عمن ذكرناهم، ولأنه قول حمل عليه بغير حق، فلم يصح كما لو أكره على الاقرار بالطلاق، وقولنا: بغير حق احتراز ممن أكرهه الحاكم على الطلاق.
إذا ثبت هذا: فلا يكون مكرها حتى يكون المكره له قاهرا له لا يقدر على الامتناع منه، وإن غاب على ظنه أنه إذا لم يطلق فعل به ما أوعده به، فإن أوعده بالقتل أو قطع طرف، كان ذلك مكرها، وان أوعده بالضرب أو الحبس أو الشتم أو أخذ المال، فاختلف أصحابنا فيه، فقال أبو إسحاق: إن ذلك لا يقع به الاكراه. وقال عامة أصحابنا - وهو المذهب - ان أوعده بالضرب والحبس والشتم - فإن كان المكره من ذوي الأقدار والمروءة ممن يؤثر ذلك تأثيرا بالغا في حاله كان اكراها له، لان ذلك يسيئه.
وإن كان من العوام، أو سخفاء الرعاع، لم يكن ذلك اكراها في حقه، لأنه لا يبالي به، وان أوعده بأخذه القليل من ماله مما لا يبين عليه، لم يكن اكراها، وان أوعده بأخذ ماله أو أكثره كان مكرها، وان أوعده باتلاف الولد، ففيه وجهان حكاهما المسعودي، وان أوعده بالنفي عن البلد، فإن كان له أهل في البلد كان ذلك اكراها، وان لم يكن له أهل ففيه وجهان.