وجاء في ظهر الاسلام لأحمد أمين: كما يؤخذ عليهم أنهم عنوا بالسند أكثر من عنايتهم بالمتن، فقد يكون السند مدلسا تدليسا متقنا، فيقبلونه مع أن العقل والواقع يأبيانه، بل قد يعده بعض المحدثين صحيحا لأنهم لم يجدوا فيه جرحا، ولم يسلم البخاري ولا مسلم من ذلك، وربما لو امتحن الحديث بمحك أصول الإسلام لم يتفق معها وإن صح سنده (1).
وبهذا فقد عرفنا ضرورة دراسة المتن، حيث إن الواقع سيكشف خطأ بعض النصوص، والأجواء السياسية تكشف زيف الآخر منه، ولو تمت مقايسة النص مع الظروف التي قيلت فيه، وبيئة الراوي، وبيان ملابسات الخبر السياسية والاجتماعية الحاكمة آن ذلك، ودواعي ناقلي النص، وعرضها على أصول الإسلام والفطرة البشرية بعيدا عن الرواسب الطائفية والنزعات الإقليمية، لدلت تلك النصوص بنفسها على نفسها، ولعرف القارئ بأن الكثير منها جاء تحت تأثيرات الحكام وتبعا لآرائهم فقهيا وسياسيا، ونرى بعض تلك الأحاديث والأحكام باقية في مصنفات أعلامنا - ولحد اليوم - لم يناقشها الباحثون ولم ينقدها الناقدون.
علما بأن ظاهرة نقد المتن - وكما قلنا - كانت شائعة في العهد الأول، وعمل بها بعض التابعين، ونراها أيضا في كلمات فقهاء الإسلام والمحدثين، فمثلا حديث أبي هريرة (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه) (2) نراه يخالف أوله آخره، لأن المصلي لو وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير، حيث إن البعير يضع يديه أولا وتبقى رجلاه قائمتين، فإذا نهض فإنه ينهض برجليه أولا وتبقى يداه على الأرض.
كما أن بعض المحدثين يروي عن عائشة عن رسول الله أنه قال: (إن الحيضة سلطت على النساء عقوبة لهن)، في حين أن هذا الخبر يعارض المنقول عنها، وأن الحيضة مكتوبة على كل امرأة ولا علاقة لها بالعقوبة، فقد قال