وجابر ابن عبد الله الأنصاري، فإن كان أنس بن مالك قد خلط في آخر عمره وكان يستفتي فيفتي من عقله - كما رواه محمد بن الحسن الشيباني عن أبي حنيفة - فكيف بابن عباس وعلي وجابر بن عبد الله الأنصاري واختلاف النقل عنهما في الأحكام؟ وهل إنهم قد خلطوا في الأحكام أو أن السياسة نسبت إليهما التناقض، بل في بعض الأحيان التضاد؟!
رأي وتنظير لو دقق الباحث النظر في الأخبار لوقف على دور السياسة في تحريف كثير من الأمور، فقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره: (في المسائل الفقهية المستنبطة من الفاتحة) تعارض الروايات المنقولة عن أنس بن مالك في البسملة وأنه تارة يعتبرها جزء من السورة وأخرى ينفيها وفي ثالثة يتوقف عندها.
قال الفخر الرازي:
أقول، إن أنسا وابن المغفل خصصا عدم ذكر بسم الله الرحمن الرحيم بالخلفاء الثلاثة ولم يذكروا عليا، وذلك يدل على إطباق الكل على أن عليا كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم. ثم ساق بعدها كلام الشيخ أبي حامد الأسفرائيني، وهو: روي عن أنس في الباب ست روايات، أما الحنفية فقد رووا عنه ثلاث روايات:
إحداها قوله: صليت خلف رسول الله (ص) وخلف أبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين.
وثانيها قوله: إنهم ما كانوا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم.
وثالثها قوله: لم أسمع أحدا منهم قال: بسم الله الرحمن الرحيم.
فهذه الروايات الثلاث تقوي قول الحنفية. وثلاث أخرى تناقض قولهم:
إحداها: ما ذكرنا من أن أنسا روى أن معاوية لما ترك بسم الله الرحمن الرحيم في الصلاة أنكر عليه المهاجرون والأنصار. وقد بينا أن هذا يدل على أن الجهر بهذه الكلمات كالأمر المتواتر فيما بينهم.