الوضوء من استعمال الماء الساخن، وهذا مما لم يقل به أحد، والمعهود في الشريعة أن الوضوء ينتقض بالخارج النجس لا بالداخل الحلال الطاهر، وكيف يجعل الرسول (ص) الطعام الحلال الطاهر ناقضا للوضوء؟!!
هذا، وقد احتمل البعض أن يكون مس الفرج من نواقض الوضوء، ومنهم ذلك الأعرابي الذي سأل رسول الله عنها فأجاب (ص): (وهل هي إلا مضغة منه أو بضعة منه)؟!!
هذه بعض النصوص ذكرناها للوقوف على نهج السلف في تعاملهم مع الأحكام والروايات الصادرة عن الصحابة، وأنهم كانوا يطرحون البعض منها لمخالفتها للأصول الثابتة في الشريعة ومنافاتها للعقل والفطرة، وكفى بها شاهدا على أصالة هذا النهج عند الأقدمين.
لكننا نتساءل: إنه هل يمكننا تعميم هذا للكتاب المعاصرين والعمل على ضوئه، أم أنه كان رخصة للصحابة فقط، فلا يحق لنا خوض هذا الميدان؟!
قال الأستاذ أحمد أمين - في معرض حديثه عن منهج علماء الحديث -:
(... وقد وضع العلماء للجرح والتعديل قواعد، ليس هنا محل ذكرها، ولكنهم والحق يقال عنوا بنقد الإسناد أكثر مما عنوا بنقد المتن، فقل أن تظفر منهم بنقد من ناحية أن ما نسب إلى النبي (ص) لا يتفق والظروف التي قيلت فيه، أو أن الحوادث التاريخية الثابتة تناقضه، أو أن عبارة الحديث نوع من التعبير الفلسفي يخالف المألوف في تعبير النبي، أو أن الحديث أشبه في شروطه وقيوده بمتون الفقه، وهكذا. ولم نظفر منهم في هذا الباب بعشر معشار ما عنوا به من جرح الرجال وتعديلهم، حتى نرى البخاري نفسه، على جليل قدره ودقيق بحثه، يثبت أحاديث دلت الحوادث الزمنية، والمشاهد التجريبية على أنها غير صحيحة لاقتصاره على نقد الرجال) (1).
وقد لخص الدكتور صلاح الدين الأدلبي كلام الدكتور أحمد أمين في ضحى الإسلام بقوله: