العهد العباسي الأول (132 - 227 ه) طال العهد العباسي أكثر من خمسة قرون، وقد حفل بأحداث سياسية وتيارات فكرية وحركة علمية، ومظاهر حضارية، فلا يمكننا بهذه العجالة اعطاء صورة تفصيلية وتقديم فكرة شاملة لها، بل نقتصر في الكلام عن العهد العباسي الأول - أي من عام 132 لغاية 232 - إذ تأسست فيه المذاهب الأربعة، وتأصلت العلوم، ونشطت حركة الترجمة، واختيار المعلمين لأبنائهم، والسعي في تدوين الفقه والتاريخ واللغة وغيرها من أصول الثقافة الإسلامية، ونظرا لعناية الحكام بالجانب الثقافي والسعي في تدوين العلوم، أحببنا تناول موضوع واحد من تلك المواضيع الكثيرة المتشعبة، لنسلط عليه الضوء، ألا وهو:
الفقه ودور الحكام فيه المعروف عن الحركة العباسية - في بداية أمرها - إنها كانت حركة دينية تدعو إلى (الرضا من آل محمد). وقد شمل هذا الشعار بالفعل جميع فصائل المعارضة الإسلامية ضد الأمويين، إذ أنه شعار جماهيري نبع من ضمير الأمة، أدركته الأمة وتفاعلت معه، منذ مقتل الحسين بن علي بكربلاء وسبي نسائه إلى الشام، وحتى سقوط الدولة الأموية.
وقد اتخذ العباسيون اللون الأسود شعارا لهم، ليظهروا به الحزن والحداد على أهل البيت، وليعلموا الناس بأنهم يريدون الانتقام ومحاربة الضلالة الأموية.
فالتوابون ثاروا أولا - قبل العباسيين - على النظام الأموي الفاسد وطالبوا بثأر الحسين، ثم تلت ثورتهم ثورة المختار الثقفي، وزيد الشهيد، وابنه يحيى، وعبد الله بن معاوية بن جعفر بن أبي طالب وسواها.
إن الثورات والانتفاضات - في أواخر العهد الأموي - كافة كانت تدعو إلى الرضا من آل محمد (ص)، وبنو العباس كانوا من أولئك الذين قاتلوا تحت هذا