بعد عرضنا السريع لنشوء المذاهب الأربعة، نستطيع أن نفهم وبكل وضوح أن روايات الوضوء المروية في هذه الكتب هي نسخ متكررة من الوضوء العثماني والفقه المخالف لمدرسة التعبد وما ذهب إليه علي بن أبي طالب وابن عباس.
لأن الفقه والرواية - كما قلنا - نشئا وترعرعا في أحضان الحكومتين الأموية والعباسية، وقد وقفت على دورهم التخريبي في الشريعة واحتمائهم بالفقهاء وبعض التابعين، لأبعاد الناس عن الأخذ بفقه علي، إذ أنهم كانوا يتصورون أن الأخذ بفقه علي هو مقدمة لإبعادهم عن الحكم وتقرب الناس إلى أهل بيت النبوة، وهذا ما كان يزعج الحكام ولا يرضيهم، فتراهم يؤكدون على الأخذ بكلام ابن عمر وإن خالف عليا وابن عباس. وإليك نصا آخر:
دخل مالك بن أنس على المنصور فقال له: يا مالك ما لي أراك تعتمد على قول ابن عمر دون أصحاب رسول الله؟
فقال مالك: يا أمير المؤمنين إنه آخر من بقي عندنا من أصحاب رسول الله (ص) فاحتاج الناس إليه، فسألوه وتمسكوا بقوله.
فقال: يا مالك عليك بما تعرف أنه الحق عندك، ولا تقلدن عليا وابن عباس (1).
بعد هذا لا يمكننا الاطمئنان إلى مرويات هذه الكتب بلا تحقيق وتمحيص سندا ودلالة وزيادة ونقيصة، وبدون معرفة الملابسات التاريخية لصدور الأحكام، لأن ما تحتوي عليه مما طالته السياسة. وقد عرفت أنها تريد تدوين ما ترتضيه وترك ما لا ترتضيه.
الوضوء الثلاثي الغسلي في العصر العباسي بعد أن أخذنا صورة عن تأسيس المذاهب الأربعة، ووقفنا على أهداف الحكام من احتواء الفقهاء، وتدوين الفقه وحصره بهذه المذاهب، لا بد من ملاحظة السير التاريخي لمسألة الوضوء في هذا العصر، ولا بد من نقل آراء علماء