وكيف يهابون ذلك الجمع القليل مع ما لهم من صفحات ومواقف مشرفة في الجهاد عبر تاريخهم الإسلامي؟!!
إن وراء ترك نصرة الخليفة شيئا خطيرا، وهو تركه العمل بكتاب الله وسنة نبيه وسيرة الشيخين!
عثمان ومبررات تغيير سياسته في الست الأواخر من يتابع سيرة الخليفة عثمان بن عفان بتجرد يمكنه أن يصل إلى ما توصلنا إليه، وهو: أن الخليفة وخصوصا في الست الأواخر من خلافته أخذ يرى أن الناس ينتقصونه ولا يعطونه تلك المنزلة والهالة التي منحوها للشيخين، بل ينظرون إليه بمنظار المتبع لنهج الشيخين والمطبق لما سن في عهدهما وليس له العمل إلا بما عمل في عهدهما، وقد طلب الخليفة بالفعل - في بدء خلافته - من المحدثين أن لا يحدثوا إلا بما عمل به الشيخان، لأن ذلك كان في ضمن ما عاهد عليه ابن عوف في الشورى.
بيد أن الخليفة وبعد مرور الأعوام الستة من خلافته بدأ يتساءل مع نفسه:
كيف يحق لعمر أن يشرع أو ينهي لمصلحة كان يقدرها - كما في صلاة التراويح ومتعة النساء - ولا يحق لي ذلك؟!
وكيف يقبل الناس اجتهادات عمر وسيرته ولا يرتضون أفعالي؟!
وما الذي كان لهما واختصا به دوني؟!
ولماذا يجب أن أكون تابعا لسياسة واجتهاد الشيخين ولا يحق لي رسم بعض الأصول؟!
هل كانوا في سابقتهم في الإسلام ودرايتهم بالأمور ومكانتهم من رسول الله أخص مني وأقرب؟!
أم إن ما بذلوه من مال ووقفوه من مواقف لنصرة الدين كانت أكثر مما فعلت؟!