التزام الحكام الفقه المغاير للعلويين والباحثون يعلمون أن تقوية مدرسة أهل الرأي قبال أنصار الأثر كان له بعد سياسي، وأنه إجراء مؤقت وليس بسياسة عامة للحكام ولا دائمة، وأن المنصور قد استفاد بالفعل من هذا التقريب كما رأيت في مناظرة أبي حنيفة مع الصادق، لكنا نراه فيما بعد يغير سياسته مع الفقهاء، ويسعى لتقريبهم، فيطلب من الإمام مالك بن أنس أن يكتب موطأه ويقول له: يا أبا عبد الله ضع هذا العلم ودونه، ودون منه كتبا وتجنب فيه شواذ عبد الله بن مسعود، ورخص ابن عباس، و شدائد ابن عمر، واقصد إلى أوسط الأمور، وما اجتمع عليه الأئمة والصحابة رضي الله عنهم، لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك ونبثها في الأمصار ونعهد إليهم ألا يخالفوها، ولا يقضوا بسواها.
فقال مالك: أصلح الله الأمير، إن أهل العراق لا يرضون علمنا، ولا يرون في علمهم رأينا.
وفي رواية أخرى، قال المنصور لمالك: اجعل العلم يا أبا عبد الله علما واحدا.
فقال مالك: إن أصحاب رسول الله تفرقوا في البلاد فأفتى كل في مصره بما رأى، وإن لأهل البلد - يعني مكة - قولا، ولأهل المدينة قولا، ولأهل العراق قولا تعدوا فيه طورهم.
فقال المنصور: أما أهل العراق فلا أقبل منهم صرفا ولا عدلا، وأما العلم عند أهل المدينة، فضع للناس العلم (1).
فإن جملة المنصور: (أما أهل العراق فلا أقبل منهم صرفا ولا عدلا) فيها إشارة إلى يأسه منهم لكونهم علويين عقيدة، ولوجود أبي حنيفة بينهم الذي لم يكن على وفاق مع الحكام.
ولأجل ذلك نرى المنصور يولي مالكا عناية خاصة ويطلب منه أن يكتب الموطأ ويقول له: (لنحمل الناس إن شاء الله على علمك وكتبك ونبثها في