بالنسبة لنقلنا كلاما عن أحد فإنه لا يعني اعتقادنا بصحة جميع ما قاله وتبنينا لآرائه وأفكاره.
هذا وإن ظاهرة الوضع في الحديث كانت منذ عهد النبي لكنها انتشرت أواخر عهد الخلفاء الراشدين بسبب الفتنة الكبرى وانقسام المسلمين إلى شيع وأحزاب، وإن دراسة نصوص هذه المرحلة وما بعدها جديرة بالبحث، وخصوصا لو احتملنا تدخل الأهواء السياسية، أو إمكان اشتباه الصحابي أو الراوي في فهم الأحكام (1) وقد اتضح لك بأن ذلك ما لا يستبعده أحد، وقد نقلنا سابقا نصوصا عن الصحابة يخطئ البعض منهم الآخر فيها، وتراجع بعض المفتين عن آرائهم - لقوة دليل الناقد أو موافقتها للقرآن والعقل -.
وهناك آراء كثيرة في الشريعة يلزم التحقيق في أطرافها والتثبت في دلالتها، مع كون بعضها من المسلمات البديهية والتي لا يمكن التشكيك فيها، لكنا لو عرضناها على القرآن وقيست بحوادث تاريخية وروايات أخرى لدلت بنفسها على نفسها بأنها قابلة للتشكيك، وإنا على ثقة لو أن تلك الأدلة والشواهد طرحت على صاحب الرأي أو ناقل الحديث لأمكن رجوعه عن رأيه كما فعل ذلك كبار الصحابة والتابعين، أما ترك مناقشة الروايات ودراستها بل إعطاء جميع الأحاديث الصحاح هالة من التقديس ولزوم التعبد بها، ثم اختلاق التأويلات لها، فهو مما يأباه الوجدان ولا يقبله الشرع والعقل.
وقد نقل الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري في مقدمة صحيحه عن محمد بن سيرين، أحد فضلاء التابعين - في معرض حديثه عن الفتنة: (.. لم يكونوا يسألون عن الإسناد فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم) (2).
قال الدكتور مصطفى سعيد الخن وهو بصدد بيان أسباب الخلاف بين المسلمين: