وأما المحتال فلا بد من اعتبار رضاه بها.
وأما المحال عليه فلا بد من اعتبار رضاه، لأنه إذا حصل رضاء هؤلاء أجمع صحت الحوالة بلا خلاف، وإذا لم يحصل فيه خلاف.
فإذا ثبت ذلك فالحوالة إنما تصح في الأموال التي هي ذوات أمثال، فمن أتلف شيئا منها لزمه مثله وذلك مثل الطعام والدراهم والدنانير وما جرى مجراها، وأما المال الذي يثبت في الذمة مثله في القرض والعقد ولا يثبت بإتلاف فهل تصح فيه الحوالة؟ قيل فيه وجهان: أحدهما لا يجوز، والثاني يجوز، فإذا ثبت أن الحوالة لا تصح إلا فيما ذكرناه فإنها لا تصح إلا بشرطين:
أحدهما: اتفاق الحقين في الجنس والنوع والصفة.
والثاني: أن يكون الحق مما يصح فيه أخذ البدل قبل قبضه لأنه لا يجوز الحوالة بالمسلم فيه لأنه لا يجوز المعاوضة عليه قبل قبضه، وإنما شرطنا اتفاق الحقين لأنا لو لم نراعه أدى إلى أن يلزم المحال عليه أداء الحق من غير الجنس الذي عليه ومن غير نوعه وعلى صفته، وذلك لا يجوز، وإنما شرطنا أن يكون الحق مما يقبل أخذ البدل فيه قبل قبضه لأن الحوالة ضرب من المعاوضة فلم تصح إلا حيث تصح المعاوضة، هذا كله إذا أحاله بدينه على من له عليه دين.
فأما إذا أحاله على من ليس له عليه دين فإن ذلك لا يصح عند المخالف، ويقوى عندي أنه يصح إذا قبل الحوالة.
وإذا أحال رجل على رجل بالحق وقبل الحوالة وصحت تحول الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه إجماعا إلا زفر، واشتقاق الحوالة يقتضي ذلك لأنها مشتقة من التحويل، والمعنى إذا حكم الشرع بصحته وجب أن يعطيه حقه ويحكم بانتقال الحق من المحيل إلى المحال عليه، فإذا ثبت ذلك فإن المحتال إذا أبرأ المحيل بعد الحوالة من الحق لم يسقط حقه عن المحال عليه لأن المال قد انتقل عنه إلى غيره، فإذا ثبت أن الحق قد انتقل من ذمته فإنه لا يعود إليه سواء بقي المحال عليه على غناه حتى أداه أو جحد حقه وحلف عند الحاكم أو مات مفلسا