وكان فاعله ناقصا. ولا يلزم من فعل الحسن لحسنه من حيث هو حسن، لا لإحراز نفع، ولا لاستدفاع ضرر، أن يكون فاعله ناقصا، لأن النقص يستعمل إما لناقص في ذاته أو صفاته أو شرفه أو منزلته، وكل ذلك مرتفع في حقه. ولا يفعل الحسن لحسنه إلا كامل في ذاته وصفته باعث حكمته على فعل ما يطابقها لا لاستفادة كمال لم يكن.
لا يقال: هذا الفعل إن أفاد كمالا كان الفاعل ناقصا من دونه، وإن لم يفد كمالا كان وجوده كعدمه. لأنا نقول: لا نسلم أنه لو لم يفد كمالا كان وجوده كعدمه. وهذا لأن الفعل قد يطلب به الاستكمال، وقد يبعث عليه الكمال، فالأول يفيد كمالا، والثاني يدل على الكمال، وفعل الله سبحانه من القبيل الثاني.
وبالجملة فمقدمة الكمال والنقص خطابية يتعلق بها الضعيف من الأشاعرة والمتفلسفة (10)، ويدل على كون هذه المقدمة خطابية، لا بل شعرية، زوال استنكارها عند إبدال لفظها بما يرادفه، فإنك لو قلت: الباري يفعل الفعل لحسنه لا ليستفيد به نفعا ولا يدفع به ضررا لم ينكره العقل.
ثم ولو نزلنا عن ذلك لم نسلم أن الذات يوصف بالنقص، وهذا لأن الحسن حسن لذاته، وهو سبحانه عالم بحسنه فإذا خلا من المفاسد فعله، وإلا تركه، فهو كامل في الحالين، لأن الفعل أو الترك لازم لعلمه (11)، ولا يقال: بالنظر إلى ذاته لا يكون كاملا وبالنظر إلى ذلك اللازم يكون كاملا، لأنا نقول وما الدليل على استحالة ذلك، فإن للباري صفات وإضافات باعتبارها يفعل الكمال، لكن لما لم يكن مستفادا من غير ذاته، ولا متأخرا عن ذاته لم يزل كاملا، ولم يجز وصفه بالنقص لما لم يكن تلك العوارض متلقاة عن الغير.