نفسه كالطالبة لذلك النفع ويجد ذلك المطلب كالصادر عن هذا العلم والتابع له.
قال: ولا شئ أظهر مما يجده الإنسان من نفسه.
ويمكن أن يقال: لا نسلم أن ذلك المطلب زائدا على الداعي الصافي عن معارضة الصارف، وهذا لأن الداعي إلى الفعل طلب له فإذا بقي على الداعي إلى وقت الفعل أمكن أن يجد نفسه كالطالبة له فدعوى تجديد أمر زائد على الداعي الخالص في موضع المنع.
واستدل من رجع بها إلى الداعي الخالص شاهدا وغائبا بوجوه أقواها عندهم: أنه لا مقتضي لإثباتها، وما لا مقتضي له يجب نفيه، أما الأولى فتظهر باستقراء أدلة المثبتين لها، وأما الثانية فلأنه لو جاز إثبات ما لا دليل على ثبوته للزم إثبات كل جهالة.
ويمكن أن يقال: لا نسلم أنه لا مقتضي لإثباتها. قوله: يظهر بالاستقراء، قلنا: الاستقراء يفيد الإحاطة فكم من باحث لم يظفر ثم ظفر. قوله: ما لا مقتضي له يجب نفيه. قلنا: متى إذا لم يكن له مقتض في نفس الأمر أم بالنسبة إلى الباحث؟ الأول مسلم، والثاني ممنوع، لكن لا نسلم ههنا عدم المقتضي في نفس الأمر.
قوله: لو جاز إثبات ما لا دليل على ثبوته لزم إثبات كل جهالة، قلنا:
الجهالة علم بطلانها فلا تثبت.
واستدل المثبتون لها شاهدا وغائبا بوجوه أقواها عندهم وجهان: أحدهما أن الباري مخبر وآمر وكل من كان كذلك فهو مريد، أما الأولى فسمعية، وأما الثانية فلأن الأمر لا يكون أمرا إلا بإرادة الآمر، وكذلك النهي والخبر.
الوجه الثاني أنه تعالى فعل أفعالا متميزة في الحدوث وقد كان يجوز وقوعها على خلاف ذلك فلا بد من أمر اقتضى ترتيبها وليس ذلك إلا الإرادة لبطلان ما عدا ذلك من الفروض.