قوله: الإنسان يجد من نفسه كونه مخيرا بين الحركة يمنة ويسرة. قلنا:
نعم هو كذلك وإنما ساغ ذلك لاختلاف المحال، فإن القدرة الواحدة قدرة على الضدين وليست قدرة في الزمان الواحد والمحل الواحد على المثلين، وإذا وضح هذا لم نعد السؤال عن وجه التقديم والتأخير واردا لأنا نقول: إنهم بنوا ذلك على أصول لهم، وهي أن القدرة لا تتعلق في المحل الواحد والوقت الواحد من الجنس الواحد إلا بجزء واحد، وأن حكمها في حال البقاء كحكمها في حال الحدوث، وأن ما لا يبقى لا يوجد إلا في حال واحدة، فلزم عن هذه العقائد استحالة الإعادة على مقدور القدرة واستحالة التقديم والتأخير. أما ما لا يبقى من الأفعال فلاستحالة فعله إلا في وقت واحد، وأما ما يبقى فلو صح ذلك فيه لأدى إلى جواز أن يفعل بالقدرة الواحدة على جهة التأخير أفعالا وفي الوقت أفعالا فلزم أن يفعل بها أكثر من جزء واحد في الوقت والمحل لأن القدرة متى تعلقت بالمثلين صح فعلهما بها على الجمع بخلاف الضدين وقد استسلموا بطلان ذلك فلذلك امتنعوا من جواز التقديم والتأخير والإعادة، والله الموفق للصواب.