وبعد وصف لأنواع الطعام ونفائسه، قام الخصام بين حضارها، وانبرى كل واحد يحط من كرامة الآخر، ويرفع من مقامه، وبدأت البصلة بشموخها، وخاصمتها الثومة، وانقسم الجمع بين الثومة والبصلة، وقامت المناظرات والمفاخرات والمدح والذم، وتكلم المصلحون الكراث والفجل والكلم والشلغم (اللفت) وتلاها الرشاد، ثم النعناع والريحان والسعد، فكان الرشاد لها مرشدا ومؤلفا، والنعناع والريحان والسعد مصلحين ناصحين مرشدين للاتحاد ضد الآكلين، وبدأوا بوصاياهم للشلغم، وكيف ينتقم من آكله لكي يكون ليفا وعلقما يشد آكليه نفخا وألما، وتنصح البصلة أن تغري آكلها بالإفراط من الأكل وإنهاكه بالتخمة وسلبه الراحة، وأوصت الثومة بأن تزيد برائحتها بعد أن تستدرج آكلها حتى إذا أضرمت أحشاءه نارا وأعضاءه توعكا، ثم التوصية للفجل وكيف يصدم آكله باتباع سبل البصل والثوم، وتمت المصالحة، وختم الرشاد نصائحه بعد المصالحة على معاداة آكليهم وشد أزر بعضهم البعض بإكرام المنعم، وقطع يد الآثم.
المهم اعتراض الشاعر نفسه عليهم عما أجمعوا على أمره، وقصدوا ضره، وتقوم بين مجموعة الخضار والشاعر مناظرة ومحاورة أدبية فلسفية سياسية، يعرض آراءه فيردونه، ويبسطون أفكارهم فيفندها، وتتكرر حتى يتم له الحكم الفصل، ويذعنوا له طائعين، ولحكمه منصتين، ويتوسلوا لحل مشاكلهم أن يسعفهم برأيه السديد الثاقب، وضميره الحنون الصائب، وعندها يسرد لهم مجموعة من قوانين الحياة، ويسند أقواله بأدلة جامعة، وبراهين لامعة، ويخط لهم السراط المستقيم، والنهج القويم، ويكمل أقواله بثلاثة من أبيات القصيدة، ويختم بها القول للعمل، وخير الكلام ما قل ودل.