(إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم فأولئك مع المؤمنين) فالطريق يبدأ من الخروج من جماعة المنافقين واللحوق بصف المؤمنين. وهذا الخروج لا يتم إلا بالتوبة وهي الرجوع إلى الله. ولا ينفع الرجوع والتوبة حتى يصلحوا كل ما فسد منهم من نفس وعمل. ولا ينفع الاصلاح إلا أن يعتصموا بالله أي يتبعوا كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله ولا ينفع الاعتصام إلا إذا أخلصوا دينهم لله وطهروا أنفسهم من بصمات الشرك والظلم قال تعالى: (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) (1).
فإذا سلكوا هذا الطريق حتى نهايته كانوا مع المؤمنين قال تعالى: (فأولئك مع المؤمنين) ولم يقل: فأولئك من المؤمنين. لأنهم يلحقون بالمؤمنين ما داموا على طريق التوبة ولن يكونوا منهم حتى تستمر فيهم الأوصاف على استقرارها.
وطريق التوبة في الجيل الأول لا بد له من سياسة تظهر الاصلاح وعلى هذا يظهر المؤيد والمعارض لسياسة الاصلاح. وتنادي بالاعتصام بالله وعلى هذا يظهر دعاة القبائلية والحزبية وتعمل من أجل إخلاص الدين وعلى هذا يظهر النبلاء الذين كان الدين مصدرا لثروتهم. وبالجملة: لا بد من سياسة تظهر عورات التأويل الذي وضع في غير موضعه. ولما كان هذا التأويل يستند إلى كتاب الله ويقوم به جيل الصحابة فإن هذا يعني أن هذا التأويل سيكون له امتداد نظرا لأن الذين قالوا به من الذين سمعوا وشاهدوا النبي وهنا يكمن الخطر على المستقبل. وينتهي الأمر بالاختلاف والافتراق إلى أكثر من سبعين شعبة وإلى التسكع في طرقات أصحاب أعلام الأديان السابقة واتباعهم شبرا بشير وذراعا بذراع. وقبل أن يحدث هذا كانت حجة الله على جيل الصحابة في بدايته وفي نهايته ليدون التاريخ ويعلم اللاحق أين موضع السابق. وشاء الله أن يكون الفصل بين الحق والباطل في هذه الأحداث على صهيل الخيول وضربات السيوف كي تنطبع الأحداث في ذاكرة كل منتسب إلى الأمة وتشده شدا إلى البحث عن الحقيقة. ومعارك التأويل