رأينا أن كل فريق انتقى من على أرضية الصحابة وأبناء الصحابة قدوة له فأخذ منهم دون تمحيص وانطلق في أثره. وقد تكون القاطرة تسير على قضبان الفتنة فيركب فيها الراكبون وهم لا يعلمون أنهم بركوبهم هذا يكونون قد شاركوا في الفتنة التي لم يشهدوها. قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها " (1)، فهو مشارك في الإثم وإن بعدت المسافة بينهما (2). ودواء هذا الداء لا يكون بتلجيم العقل والسير على طريق الاحتناك الذي ترفرف عليه أعلام الزينة والزخرف والإغواء. وإنما يكمن العلاج في العلم يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الفتنة تجيئ فتنسف العبادة نسفا وينجو العالم منها بعلمه " (3).
فالفتنة إذا كانت في المقدمة يقع فيها الذين شاركوا فيها والذين جاءوا من بعدهم. بمعنى أن الفتنة لا تصيب الذين ظلموا خاصة وإنما تصيب الذين ركبوا القاطرة التي تسير على قضبان هذه الفتنة، أما العالم فإنها لا تصيبه عند المقدمة لأن عند المقدمة شهود. فشاهد عليه علامة تقول: " تقتله الفئة الباغية " وشاهد عليه علامة " تنبحها كلاب الحوأب " وشاهد عليه علامة " بأنه أصدق لهجة "، وآخر عليه علامة زيد وما زيد... وكثير كثير. والعالم لا تصيبه الفتنة عند النتيجة لأنه ينجو منها بعلمه بأحداثها وموطن الحق فيها.
وفتنة المقدمة ما وقعت إلا بعد أن اختار الناس لأنفسهم في جو من الأحداث لا نعلم عنه إلا القليل. فهناك من أبى أن تكون الخلافة والنبوة في بيت واحد. لأن هذا يعني أن بني عبد شمس من دون خلق الله جميعا لن يكون لهم ركوبة في جاهلية أو إسلام. لقد كانت الأبواب مغلقة بمفاتيح الدعوة ولكنها فتحت بمفاتيح الفتنة. ومن عدل الله تعالى أنه أقام الحجة على الجيل الأول في