كل حركاته بعد وفاة الرسول، وها نحن قد رأينا أحداث أبي ذر وغيره من الذين وضع عليهم النبي صلى الله عليه وسلم هالات من التبشير والتحذير. لقد حاصرت حجج الله جيل الصحابة لأنهم مقدمة على أرضية دين الله. والشيطان إذا دق وتدا له في هذا الجيل ضمن ثغرة له في الجدار يدخل منها بالزينة والإغواء فيضل بذلك كثيرا من الناس. وإذا كانت الحجة قد قامت يوم غدير خم. وأن التحذير قد تم على لسان بعض صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله من بعد وفاته. فإن إقامة الحجة بعد النبي بلغت الذروة في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وهذه الحجة لا تنفصل عن حجة غدير خم بأي حال من الأحوال. ولكنها جاءت لتخاطب زماما قد تغير ومكانا أوشك على أن يتبعثر. وعندما جاء علي بن أبي طالب لم يأت ليخاطب المتقين بل جاء ليفتح أبواب التوبة أمام المنافقين الذين كثروا في الساحة كما شهد حديث حذيفة وغيره. جاء ليوقف تدفق الفتنة وليفتح صفحات التاريخ لتدون الأحداث التي يقف عندها أصحاب العقول والأفهام لينجو العالم بعلمه.
ولقد علمنا أن التعامل مع النفاق يخضع لفقه خاص لا يلم به كثير من الناس. والفقيه في هذا المجال لا يقوم بتعيينه سلطان أو أمير لأن هؤلاء لا يعلمون خفايا الأمور وإنما الفقيه هنا لا بد أن يحدده نص. وليس معنى هذا أن الفقيه بهذا التحديد يكون قد علم ما تخفيه الصدور، فالقول بهذا قول سقيم لتفكير غير مستقيم. وإنما الفقيه هنا هو الذي يضع سياسته على قوائم الإسلام.
أي يقيم سياسته على القرآن ونصوص الدين بشكل شامل ويتعامل مع المستجدات بالبحث عن الجوهر فيها ثم يطابقه على الجوهر الأزلي في الإسلام.
ولا يقوم بذلك إلا فقيه راسخ في العلم. ولما كان المنافق في الأساس كارها للإسلام ونظامه. فإنه يشع بعمله تحت عين الفقيه الراسخ في العلم والذي عليه نص بأن لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق. لهذا كان التعامل مع النفاق يحتاج إلى فقه خاص. وفي عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان النبي يتعامل مع المنافقين وفقا لحركة الدعوة وكان يجاهدهم وفقا لمطالبها. وكان يفتح لهم أبواب التوبة وفقا لشروط خاصة. وبعد وفاته صلى الله عليه وآله