القرآن بكتاب عنوانه " بالفصول والغايات في محاذاة السور والآيات "، وقد قيل لأبي العلاء: " ما هذا إلا جيد إلا أنه ليس عليه طلاوة القرآن. فقال: حتى تصقله الألسن في المحاريب أربعمائة سنة وعند ذلك انظروا كيف يكون " (1). وهكذا تحقق الإخبار بالغيب. تحقق بركوبه الشعر أولا حيث فتح الوليد الأسوار ودخل نصارى الحيرة ليعانقوا نصارى تغلب. وشاع شعر الأديرة ثم شعر الخمور ثم شعر المجون. ثم تم التسلل نحو الكرسي الأكبر بركوبة شعر القبائل وأيام العرب وفضائل بني أمية. وعلى ساحة اللارواية نشأ التصوف تحت ضغط المشاكل السياسية. وفي مواجهة التصوف ظهرت الزندقة وتعاليم المرجئة وغيرهما وخلال هذا التطاحن كان النصارى يشرفون على جمع الخراج. ومن أراد الوزارة كان عليه أن يتقرب إليهم (2)، وتحت شجرة الشوك تكالب الجميع على المال وأعلن شعراء الانحلال والصد الحرب على الدين والقرآن بصورة لم يسبق لها مثيل.
وإذا كان الإمام علي بن أبي طالب قد توعد بني تغلب إن تفرغ لهم فإن له فيهم رأيا وقال: لأقتلن مقاتلهم ولأسبين ذريتهم (3)، وذلك لتنفيذ وصية النبي صلى الله عليه وسلم والخاصة بإخراج المشركين من جزيرة العرب (4).
فإنه رضي الله عنه كان له رأي في الشعر والشعراء، يقول صاحب تاريخ الأدب العربي: اشتهر الفرزدق بالشعر وهو شاب. فعرضه أبوه على علي بن أبي طالب بعد يوم الجمل قائلا: إنه شاعر مضر، فأوصاه أمير المؤمنين أن يقرأ القرآن خيرا له من الشعر. ويروى أن الفرزدق وضع رجليه في القيد وأقسم لا يفكهما إلا بعد أن يحفظ القرآن (5).