صراحة. ولقد قدمنا بعضه في كتابنا " الانحرافات الكبرى " (1)، فمن أراد أن يقف عليه وعلى أصول هذه الفترة فليراجعه هناك. وتحت ظلال شعر الأديرة والخمر. كان الأمير الوليد والشاعر أبو زبيد يضربان بالأخلاق عرض الحائط.
قال صاحب الإستيعاب: أخبار الوليد في شرب الخمر ومنادمته أبا زبيد مشهورة كثيرة (2)، وخبر صلاته بالمسلمين وهو سكران وقوله لهم: أزيدكم بعد أن صلى الصبح أربعا مشهورة من رواية الثقات من نقل أهل الحديث وأهل الأخبار (3)، وترتب على ذلك حدوث أول انتفاضة ضد حكم عثمان بن عفان. ضحى أمامها بعزل الوليد. ولكن الشعر بقي وازداد اتساعا. وتطور إلى شعر الغزل ثم إلى شعر المجون. وفي عهد معاوية راج الأدب العربي غاية رواجه وظهر الشعر الذي يحتضن سياسة الحزب الحاكم ومنازعات القبائل ومظاهر العصبية العربية.
وكان الأمويون يبالغون في ترويج الشعر. وربما كانوا يبذلون بإزاء بيت من الشعر أو نكتة أدبية المئات والألوف من الدنانير. وانكب الناس على الشعر وروايته وأخبار العرب وأيامهم وكانوا يكتسبون بذلك الأموال الكثيرة. وبلغ من نفوذ الشعر والأدب في المجتمع العلمي أنك ترى كثيرا من العلماء يتمثلون بشعر شاعر أو مثل في مسائل عقلية.
وبدأ شعر الصد يتسلل في ليل الفتن. وبدأ الشعراء يزحفون نحو مركز القيادة ومن هؤلاء: الأخطل، الذي ولد بالحيرة وكان من بني تغلب. دان بالنصرانية كأكثر قبيلته. ولما ولي يزيد بن معاوية الخلافة. دعا الأخطل إليه وأكرمه. وكذلك أكرمه خلفاء يزيد بن بعده وأسبغوا عليه نعمتهم ولا سيما عبد الملك الذي فضله على سائر الشعراء وأجزل له عطاياه (4)، ومنهم: أعشى بني تغلب كان نصرانيا يقدم شعره في كل مكان ينزل به (5)، وبدأت ثقافة الفتنة