تتسع حتى أصبح النصارى في عهد بني أمية لا يستغنى عنهم في تدبير السياسة كما كان عدد من نصارى الروم قائمين على تدبير الخراج. وكان لكثير منهم جاه عند الخلفاء (1)، ومن عباءة ثقافة الفتنة التي زحفت بالشعر والخمر والمجون نحو أرضية اللارواية. خرجت الآراء التي جاء بها الزنادقة. والنصرانية هي الأصل التي أتت منه جميع هذه الآراء (2)، وخرجت آراء المرجئة على أيدي يحيى الدمشقي وكان أبوه صاحب عبد الملك بن مروان. وقد صنف يحيى كتابا في فضائل النصرانية. ولم يكن عرضا أن ظهرت عند المرجئة والقدرية في الشام آراء يحيى الدمشقي. وفي هذا الطوفان عادت إلى الظهور الأوضاع القديمة لعالم قديم. وأصبحت فيها للمال قوة عظيمة حتى سحقت طاحونه الكبيرة كل قيمة أخرى. وكل شئ صار يعرض من أجل المال وبلغت وصمة حب المال والمكر لتحصيله أعلى طبقات رجال الدولة.
وفي نهاية المطاف ظهر فريق من الشعراء يحتقرون كل ما هو ديني ويجرءون على الجهر بذلك على نحو لم يسبق له نظيرا في عصر من العصور.
فكان أبو العلاء المعري الشاعر بالشام (ولد 363 ه) وتوفي عام (449 ه) يهاجم كل ما هو ديني مستندا في ذلك إلى وجهة نظر عقلية ومن شعره:
أفيقوا أفيقوا يا غواة فإنما * ديانتكم مكر من القدماء أرادوا بها جمع الحطام فأدركوا * وبادوا وماتت سنة اللؤماء وقال:
قد ترامت إلى الفساد البرايا * واستوت في الضلالة الأديان (3) ثم جاء ابن الراوندي (المتوفى 293 ه) ليقول: إنا نجد في كلام أكثم بن صيفي ما هو أحسن من القرآن (4)، ويروى عن أبي العلاء المعري أنه عارض