من هذا نعلم أن علي بن أبي طالب كان يتحرك في ساحة واسعة تجري عليها أحداث متعاقبة في العام التاسع الهجري، ترى ماذا يقول أصحاب الرأي القائل أن من عادة العرب أن لا يحل ما عقده الرئيس إلا المتقدم من رهطه. إذا قلنا لهم. إذا كان علي بن أبي طالب هو الذي أناب عن الرسول في حل عقدة من قومه. باعتبار أنه المتقدم في رهطه والذي يؤدي عنه. فمن غير علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول يحسم ما أعلنه علي على القوم في حياة الرسول. والسنة العربية تقول أن التفاوض لا يكون إلا مع الرئيس أو المتقدم من رهطه.
وخصوصا أن الآيات التي رفعت الأمان في سورة براءة عن المشركين لم تهمل أي طريق يرجى فيه الوصول إلى الهداية. قال تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون) (1)، قال ابن كثيرة: وإن أحد من المشركين الذين أمرتك بقتالهم وأحللت لك استباحة نفوسهم وأموالهم استأمنك فأجبه إلى طلبه حتى يسمع القرآن فقرؤه عليه وتذكر له شيئا من أمر الدين تقيم به عليه حجة الله. ثم اعطه الأمان حتى يرجع إلى بلاده وداره. وإنما شرعنا أمان مثل هؤلاء ليعلموا دين الله وتنتشر دعوة الله، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي الأمان لمن جاء مسترشدا (2).
إذا فهناك عقود أمان. فإذا كان علي بن أبي طالب حل عقد رسول الله من قومه - فحسب عادة العرب - من الذي ينظر في عقود الأمان الجديدة. فيتمها إلى مدتها أو يحلها؟ لهذا نقول أن القول بأن بعث علي بن أبي طالب بسورة براءة خرجت شجرته من عادات العرب. قول لا يلتفت إليه لما سيترتب عليه من إشكال.