فانظر إلى قول القائلين: " أين رؤيا محمد؟! " تجده يعج بالسخرية والاستهزاء ورغم ذلك فقد حكم بعدالة الجميع، وأنهم لا يتطرق إليهم الجرح، فيا للعجب! وسواء كان القائلون هم المنافقون أو هم أصحاب محمد، فقد تصدرهم ابن الخطاب، وتولى هو محاسبة النبي صلى الله عليه وآله ومعارضته دون الناس، إذ أنه لم يرد اسم أحد من الناس غيره قد استجوب النبي صلى الله عليه وآله.
ويقول الثعالبي: " والسكينة [في قوله تعالى (هو الذي أنزل السكينة...)] هي الطمأنينة إلى أمر رسول الله، والثقة بوعد الله، وزوال الأنفة التي لحقت عمر " (1).
إذا، فقد لحقت الأنفة عمر بعد فقدانه الطمأنينة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله والثقة بوعد الله.
لقد عارض عمر رسول الله الكريم في أمر الصلح بلا شك، ولما تم الصلح ولم يكن عمر راضيا به عمل له أعمالا في الخفاء لعله يوفق في إبطاله، فكانت نتيجة تلك الأعمال أن تمرد الصحابة على أمر النبي صلى الله عليه وآله لما أمرهم بأن ينحروا ويحلقوا، فأقسم عمر قسما تفوح منه رائحة السرور والافتخار بنتيجة ما عمل، فقال: " والله ما قام منهم أحد "!
وقد يسأل سائل: لماذا عارض عمر النبي صلى الله عليه وآله في كتابة ذلك الصلح؟ ولماذا حرض وألب الناس على مخالفة النبي صلى الله عليه وآله؟ ولماذا يفعل عمر كل هذا؟ وما هو السر من وراء تلك الأعمال؟
نعم، إنه لهو السؤال المنتظر، ولا بد له من إجابة تكشف عن حقيقة الأمر، وينحل بها اللغز العمري، ولكن الفاروق أراحنا وكفانا ركوب العناء والبحث عن إجابة لهذا السؤال..
يقول الثعلبي: " وقال عمر: ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ! " (2)، أي يوم صلح الحديبية.
فالأمر إذا، لم يكن إلهاما بنى عليه عمر اعتراضه وتأليبه الناس على أمر النبي صلى الله عليه وآله، بل كان الأمر كما عرفت وستعرف.
.