حياته هو جزء من تلك الخلافة التي لا تأخذ شكلها العملي الكامل إلا بعد وفاة وذهاب النبي صلى الله عليه وآله. وقوله: وإنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي.. يوضح ذلك جيدا، لأنه لو كان يعني استخلافه في حياته على المدينة لكان الاستخلاف على المدينة في حياة النبي الكريم من نصيب علي ومختصا به دوما، فتدبر في قوله: " إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي " فالذهاب لم يقيد بمكان وزمان، فهو عام.
إنه من البين أن الاستخلاف على المدينة في حياة النبي الكريم لم يكن مختصا بعلي، فمقصود النبي صلى الله عليه وآله هو أنه لا يجوز أن أنتقل إلى الرفيق الأعلى إلا وقد نصبتك خليفة على المسلمين من بعدي، ولهذا أعلن النبي صلى الله عليه وآله عهده إليه بالخلافة في غدير خم عند عودته من حجة الوداع، وفي حجرته لحظة احتضاره، ثم ذهب النبي صلى الله عليه وآله وعلي قد نصب خليفة من بعده بوساطة النبي الكريم صلى الله عليه وآله نفسه، إذ لا ينبغي غير ذلك.
ثم إن هارون كان خليفة موسى على قومه، وهذا ما عناه النبي صلى الله عليه وآله بقوله لعلي: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟! " واستثنى نبوة هارون، إذ لا نبي بعد محمد الخاتم صلى الله عليه وآله.
إذا، فقوله: " أنت ولي كل مؤمن بعدي "، وقوله: " إنه وليكم بعدي " لا يعنيان إلا منزلة هارون يوم خلفه موسى عليه السلام على قومه عند ذهابه إلى ربه، ومثل ذهاب موسى إلى ربه هو مثل التحاق النبي صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى، ولهذا قال صلى الله عليه وآله: " لا ينبغي أن أذهب.. "، أي لا يصح مني أن أذهب إلى الرفيق الأعلى وأنا لم أعينك خليفة من بعدي على قومي.
ولهذا كان الحديث من أدلة خلافة الإمام علي عليه السلام، إذ لا يحتمل أي معنى غير الخلافة.
فلو قلت كان الاستخلاف على المدينة فقط، فما هو إذا معنى استثناء النبوة والنبي موجود؟! فهل كان النبي صلى الله عليه وآله يخشى - لو كان الإمام علي مدعي النبوة - أن يدعيها في حياته وعند استخلافه على المدينة؟!! إن عاقلا لا يقول بهذا، كما هو بين جلي.
خلافة علي عليه السلام في حديث الدار والإنذار كانت الرسالة في بدئها، وبدا التأسيس والتشييد لأركانها وبناء أعمدتها، فأمر الله